Romayssa’ bint Milhane

(إشراقات من تاريخ إسلامنا المجيد: أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها)

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمدا لا نحمده أحدا سواه ونشكره جل وعلا شكرا لا ينبغي لأحد غيره، فاللهم لك الحمد ولك الشكر، ونشهد أنك الله لا إله إلا أنت لا رب لنا سواك ولا معبود بحق إلا أنت، أثنيت على صحابة نبيك الأمين وخصصت بالذكر منهم الأنصار والمهاجرين فقلت في محكم تنزيلك المبين:

وَالسَّابِقُونَ الاَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الاَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسوله رفع من شأن الأنصار أيما رفع حتى ربط بين حبهم ورسوخ الإيمان فقال كما جاء في الصحيح عن أنس رضي الله عنه:

آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ

ثم إنه e بين قدر تعلقه بالأنصار فقال كما في جامع الترمذي بسند صحيح:

لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ فَأَحَبَّهُ اللهُ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَأَبْغَضَهُ اللهُ، لَوْ سَلَكَ الْأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَكُنْتُ مَعَ الْأَنْصَارِ

أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، في منتصف شهر ربيع الثاني من السنة الماضية كنا قد أطلقنا سلسلة من الخطب نقتفي من خلالها أثر الصالحين من هذه الأمة لعلهم يكونون لنا قدوة ننهل منهم صفاتٍ عزَّت في زماننا فنعيد الاعتبار لما ضاع من الأخلاق التي يدعو إليها ديننا. وقد تمكنا بفضل الله تعالى من التعرف تباعا على رسول الله وسبعة من المهاجرين وأربعة من الأنصار ثم جاء رمضان وتوالت المناسبات فانقطعت السلسلة إلى يومنا هذا. ولقد آن الأوان لإعادة الكرة في اقتفاء القدوة. وإن موعدنا اليوم مع صحابية جليلة وأنصارية سباقة ومجاهدة فريدة، إنها أم حرامٍ بنتُ مِلحان بنِ خالد بنِ زيد بنِ حرام بنِ جندب بنِ النجار واسمها الرميصاء. وهذه الصحابية الجليلة من السابقين الأولين إلى الإسلام في المدينة المنورة، أسلمت على يد زوجها عبادةَ بنِ الصامت الذي كان قد لقيَ رسول الله  في موسم الحج حين عرض e نفسه على القبائل القادمة من أنحاء الجزيرة العربية فأسلم وتحول إلى داعية لله ينشر دين الله فكانت الرميصاء من أول المستجيبين له ففازت بقدم السبق في الإسلام فنالت بذلك شرفا ومنزلة لا ينالهما إلا المحبوبون عند الله فاللهم اجعلنا منهم آمين والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، عباد الله إن الله تبارك وتعالى حين أراد لعباده المؤمنين الخير دلهم على طريق الفوز برضاه فقال جل جلاله:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُومِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ

فبموجب هذه الآية الكريمة يتوقف الفوز برضا الله على مقومَيْن اثنين هما الإيمانُ بالله والرسول ثم الجهادُ في سبيل الله بالمال والنفس. وأم حرام التي نحن بصدد اقتفاء أثرها وأخذ القدوة منها فهِمت ذلك جيدا فما أن آمنت بربها ورسوله حتى أقبلت على الجهاد في سبيل الله بمالها ونفسها وأبدت شجاعة غيرَ عادية في القتال حيث شاركت مع زوجها في أحدٍ والخندق وحضرت في فتح مكة ثم في يوم حنين والطائف فضلا عن مشاركتها في فتح جزيرة قبرص على يد معاوية بن أبي سفيان فعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، قَالَتْ:

نَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ، فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ، قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ نَامَ الثَّانِيَةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا فَقَالَتْ: مِثْلَ قَوْلِهَا فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا، فَقَالَتْ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ، فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّامَ فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ

ثم أضف إلى هذه الشجاعة علمها وفقهها ورجاحة عقلها حيث إنها روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث منها قوله عليه الصلاة والسلام عند أبي داود:

الْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يُصِيبُهُ الْقَيْءُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ وَالْغَرِقُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري:

أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا، قَالَتْ: أُمُّ حَرَامٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: أَنْتِ فِيهِمْ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا

فهذا إن كان يدل على شيء فإنما يدل على إقدامها وشجاعتها وحبها لنشر دين ربها فرضي الله عنها وأرضاها وجعلنا ممن يقتدي بها في كل ذلك آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله. اللهم انفعنا بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم ولا تخالف بنا عن سنتهم ولا عن نهجهم. اللهم انصر ولي أمرنا. اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ويرحم الله عبدا قال آمين.