(إياك وأن تغرك الدنيا)
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمد الحامدين المخلصين ونشكره جل وعلا شكر الشاكرين الصادقين ونشهد أنه الله ولي المتقين، لا رب لنا سواه ولا معبود بحق إلا هو، ندبنا إلى عدم الاغترار بالدنيا وترك الانغماس في ملذاتها فقال عز وجل:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الها ورسوله، حذرنا من الاستعمال الخاطئ لما حبانا به ربنا جل وعلا من نعم فقال صلى الله عليه وسلم كما يرويه عنه أبو برزة الأسلمي:
لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ
أما بعد فيا أيها البررة الكرام، إن الإنسان العاقل هو الذي يجعل من حياته مرتعا لفعل الخير فلا يترك وقتا يمر عليه إلا ويملؤه بما يرضي ربه من صلاة وصيام وتلاوة وصدقة ولا يسمح لنفسه بتضييع ساعة من ساعات عمره القصير في التافه من الأفعال ولا ذرةً من علمه القليل إلا وصَرَّفَهَا إلى جميل أعمال ولا درهماً من ماله الكثير إلا وأنفقه على من يحتاج إليه من الفقراء والمساكين وذوي القربى والعيال ولا عضوا من أعضاء جسمه النشيط إلا وأبلاه في ما يحبه الكبير المتعال. روى البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ
فلا مجال إذا لإمضاء حياتك في البحث عن المتعة المفرطة والانغماس في الشهوات اللامتناهية لأنك الآن في دار عمل وسعي وكسب، تستعد فيها للتنقل إلى الدار الآخرة، دار الجزاء ولكن أيضا دارِ النعيم المقيم. فأحمق من يترك العمل حين وجوبه فيبحث عن المتعة ولمَّا تحلُّ له ورحم الله تعالى من قال المتعة في وقت العمل جريمة وصدق الحبيب المصطفى صلى اللع عليه وسلم حين قال لمعاذ في حديث شديد مزلزل:
إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ، فَإِنَّ عِبَادَ اللهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ
وقبل هذا وذاك، أين تركنا قول ربنا عز وجل:
تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
فاللهم بصرنا بعيوبنا واعف عن زلاتنا وقوم ألسنتنا والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه.أيها الأخ المسلم الكريم هل من المعقول أن تجعل النعيمَ هدفاً لك في حياتك هنا، فتعيش فقط لتأكل وتستمتع وتحتفل وتفتخر ولتنغمس في الملذات المباحة؟ نحن الآن لا نتكلم عن المحرمات واقترافها إذ نرجو أن نكون قد تجاوزنا هذا الموضوع! ستقول لي وما الإشكال إذا في ذلك؟ أنا لا أفعل إلا ما أحله الله لي فلماذا تريد أن تحرمني الاستمتاع بما حباني الله به؟ فأقول لك، فكر معي قليلا! أولا نحن لا نتكلم عن الاستمتاع المعقول وإنما نروم محاربة الإسرافِ في النفقة والتبذيرِ الذي يجعلنا من إخوان الشياطين! ثم هب أنك مسلم ومقبل على الجنة فألا تخشى إن أنت أمضيت جل حياتك في الاستمتاع والاسترخاء وفي الكسل أن تكون في النهاية قد استوفيت حقك من أكل الطيبات فتأتي يوم القيامة وقد أكلت كل ما كان مدخرا لك! أُتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه – وهو من العشرة المبشرين بالجنة – أُتِيَ بِطَعَامٍ
وَكَانَ صَائِمًا فَجَعَلَ يَبْكِي ثم نحَّى الطعام عنه، فلما سئل عن ذلك َقَالَ رضي الله عنه:
قُتِلَ حَمْزَةُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِِلا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِِلا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَلَقَدْ خَشِيتُ أَنْ تَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا
فألا يليق بك يا عبد الله أن تؤجل طلب النعيم والمتعةِ قليلا إلى أن يحين وقتها فيكون وقع اللذة أكبر وأعظم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ الله، إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ
فاحرص على عدم إفناء عمرك في الزائل وعدم إبلاء جسمك بالتافه وعدم إتلاف مالك في الحرام وعلمك في الخراب. اللهم اعصمنا من الزلل واكفنا الخَلَل وألبسنا الحُلَل وأبعد عنا الفتنَ ما ظهر منها وما بطن. اللهم أعنا ذكرك وشكرك وحسن عبادك وصل اللهم على نبينا الأمين وآله وصحبه أجمعين رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين. اللهم انصر ولي أمرنا وارفع يا رب رايته وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.