(حتى لا ننسى)
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمد الحامدين المخلصين ونشكره عز وجل شكر الشاكرين الصادقين ونشهد أنه الله ولي المتقين، لا رب لنا سواه ولا معبود بحق إلا هو، شرع للمظلومين من عباده أن يدافعوا عن أنفسهم فقال جل جلاله:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا الله
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله، بين لنا أن كل من مات من المسلمين مدافعا عن نفسه أو دينه أو أهله أو رزقه فهو شهيد فقال صلى الله عليه وسلم:
مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ
وفي حديث آخر عند الترمذي عن سعيد بن زيد القرشي رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم:
مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ سَرَقَ مِنَ الْأَرْضِ شِبْرًا طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ
وهذا الحديث أيها الإخوة البررة يؤكد معنى الآيةِ السابقة لأنه يفيد أن الدفاع عن الأرض والوطن كالدفاع عن الرزق والمال وأن من قُتِلَ دون أرضه ووطنه فهو شهيد لا محالة. أما بعد ففي خضم الأخبار المؤلمة التي تأتينا كل ساعة من الشام والعراق وغيرها من بلاد المسلمين مما جعل أحداثها تطغى على وسائل الإعلام العالمي فوقع تعتيم مقصود أو غير مقصود على القضية الأولى للمسلمين وهي قضية القدس الشريف، في خضم تلك الأخبار التي نتألم لها بلا شك، أحببت أن أطلق صرخة ذكر وذكرى بتخصيص هذه الخطبة للكلام عن إخواننا في فلسطين معنونا إياها ب: حتى لا ننسى! أجل إن مع تلاطم أخبار الهرج المروعة التي تقع هنا وهناك يتبين أن الذين يحاولون اغتصاب القدس يقتربون رويداً رويدا من مبتغاهم وذلك في إطار من الغفلة المخجلة والتناسي المحزن، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا أن هناك من الناس من سيظل صامدا في فلسطين فهلا حرصنا على أن نكون منهم أو على الأقل معهم قلبا بالدعاء وقالبا بالمد. عن أبي أمامة عنه صلى الله عليه وسلم:
لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدّينِ، ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ « ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: » بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
فاللهم لا تجعلنا ممن ينساهم ويغفل عنهم آمين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه.عباد الله، إن الله تعالى حين ذكر بيت المقدس والذين سيستولون عليه توعدهم بسوء العاقبة فقال:
إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُم لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً
قال الإمام القرطبي في هذه الآية وسابقاتِها أي، بعثنا عليكم عبادا لنا ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم ويذل سادَتَكم. وانطلاقا من هذا القول، ينبغي لنا أيها الإخوة التأكيد على أنه لا يجوز البتة لليأس أن يجد طريقا إلى نفوسنا. فربنا تبارك وتعالى لا يخلف وعده أبدا خصوصا وأنه سبحانه قال قبل هذه الآية بقليل:
وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً
ووعده قائم لا محالة ونصره قادم بلا ريب! فقط يبقى تحديد موعده وهذا مرتبط أساسا بدرجة إحسان الموعودين به. فمتى كان المسلمون في المستوى المطلوب من الإيمان والدرجة المنوطة بهم من التقوى والمنزلة المرغوبة من العدل والحكامة وترك المحسوبية والركون إلى الدنيا، متى استعادوا مجدهم واقترب وعد الله لهم بالنصر. فواجبنا نحن معشر المسلمين في كافة بقاع الأرض نحو فلسطين والأقصى ليس فقط في مد المرابطين هناك بالعدة والعتاد ولكن في إصلاح أنفسنا وجعل أمتنا ترقى إلى أعلى منازل العدالة الاجتماعية وإحقاق الحق ودرء كافة أنواع الظلم ونبذ الفوارق وإحلال السلم والسلامة والحب والمحبة بين أفراد مجتمعاتنا فإن نحن حققنا ذلك فعلا فإن عدوَّنا سيضمحل تماما كما ذُبنا نحن أمامه حين تفوق علينا في الحكم والعدل والميزان داخل مجتمعه. ورحم الله من قال:
اللهُ يُقِيمُ الدَّوْلَةَ العَادِلَةَ وَإِن كَانَتْ كَافِرَةً وَلا يُقِيمُُ الظَّالِمَةَ وَإِن كَانَتْ مُؤْمِنَةً
فاللهم اعصمنا من الزلل واكفنا الخَلَل وألبسنا الحُلَل وأبعد عنا الفتنَ ما ظهر منها وما بطن. اللهم أعنا ذكرك وشكرك وحسن عبادك وصل اللهم على نبينا الأمين وآله وصحبه أجمعين رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين. اللهم انصر ولي أمرنا وارفع يا رب رايته وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.