(ماذا نفعل أولا في شهر المحرم؟)
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمد من يعترف له بالنعمة ونشكره جل وعلا شكر من يقر له بالفضل ونشهد أنه الله، لا إله إلا هو، دعا عباده المؤمنين إلى فعل الخير بكافة أنواعه، علاوة على عبادتهم له وكثرة السجود والركوع فقال جل جلاله:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله، أتاه رجل فقال:
يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، قَالَ: فَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ قَالَ: شَهْرُ اللهِ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ
أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام، بعد وقفة الأسبوع الماضي ومطالبةِ أنفسنا بالمراجعة بمناسبة السنة الجديدة يليق بنا أن نولي وجهتنا صوب هذا الشهر العظيم الذي تبتدئ به سنة المسلمين لننظر ماذا يمكننا فعله فيه للتقرب أكثر من ربنا عز وجل والفوز برضاه جل جلاله. فالمسلم الفطن العاقل هو الذي يغتنم فرص الزمانِ المبارك والمكانِ الطيب ليفعل الخير كما أمره الله ويتجنب الشر كلما استطاع إلى ذلك سبيلا ليتضاعف أجره وتعلوَ منزلته عند ربه. أيها المؤمنون، أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر المحرم هو صيام عاشوراء وما في ذلك من أجر ولكنني أقول بخلاف هذا، فأول ما ينبغي أن نتذكره عند حلول هذا الشهر العظيم هو أنه من الأشهر الحرم الأربعة التي ذكرها الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم بقوله:
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَرضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وإن كان الأمر كذلك فأول أمر يتعين علينا فعله بعد تذكرنا ذاك ليس هو الصيام بل هو الحرص الحثيث على عدم فعل الشر فيه لقوله تعالى مباشرة بعد ذلك:
فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ
ففعل الشر أيا كان نوعه هو من أعظم وجوه ظلم المرء لنفسه، فهل يليق بنا نسيان أن تضييع الصلوات وإخراجَها عن أوقاتها من أكبر الشرور، وهلا تذكرنا أن أكل حقوق الآخرين والإساءة إلى الناس بالقول والفعل أو باللسان واليد هما من أعظم أسباب سخط الله على من يباشر ذلك؟ أين نحن من ترك النميمة والغيبة وبسط اليد إلى ما لا يحل لنا حتى نفكر في صيام عاشوراء؟ لا إله إلا الله والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه.أيها الأحبة، لعل بعض الحاضرين يريد أن يسألني هل يعني كلامك هذا أنه لا فائدة من صيام عاشوراء رغم ما ثبت فيه عن الحبيب من فضل؟ والجواب ليس هذا المقصود وإنما المراد من كلامي هو ضرورة مراجعة أنفسنا ورد المياه إلى مجاريها بتصحيح تصورنا لما يطالبنا به ديننا، إذ لا طائل من فعل الخير إذا كنا غارقين في اقتراف ما لا يرضاه الله ففي المسند والمستدرك عن أبي هريرة لاضي الله عنه أنه فيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ فُلانَةً تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا فَقَالَ: لا خَيْرَ فِيهَا هِيَ فِي النَّارِ! قِيلَ: فَإِنَّ فُلانَةَ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَتَصَدَّقُ بِأَثْوَارٍ مِنْ أَقِطٍ وَلا تُؤْذِي أَحَدًا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ!
ثم بالله عليكم ألم تسمعوا إلى قوله تبارك وتعالى في سورة المؤمنون:
إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُومِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُوتُونَ مَا ءَاتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سمعت هذه الآيات، يا رسول الله:
أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ
فالأصل في التقرب إلى الله يكون بما فرضه من عبادات ثم بالنوافل ولكن ليس إلا بعد ترك اقتراف الإثم والخبائث وظلم الناس وأكل حقوقهم مهما صغرت لأن هذا المعيار الأخير هو الذي يفتح لنا باب عبادة الله حق عبادته ففي المسند والسنن:
اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ
فإذا قيل هذا حديث غريب فيه مجهول في سنده قلنا فماذا تقولون في قوله صاى الله عليه وسلم:
الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ
فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ اللهم اعصمنا من الزلل واكفنا الخَلَل وألبسنا الحُلَل وأبعد عنا الفتنَ ما ظهر منها وما بطن. اللهم أعنا على طاعتك في كل وقت وحين ودون انقطاع آمين وصل اللهم على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين. اللهم انصر ولي أمرنا وارفع يا رب شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.