Voter relève du témoignage qu’il ne convient pas de falsifier

(صوتك شهادة وهو من الأمانة)

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمد المعترف له بالنعمة ونشكره جل وعلا شكر المقر له بالفضل ونشهد أنه الله، لا إله إلا هو، دعا عباده المؤمنين إلى عدم التملص من الإدلاء بشهادتهم بما يتوفر لديهم من معلومات كلما دعوا إلى ذلك فقال جل جلاله في سياق أطول آية في القرآن الكريم والتي تسمى آية الدَّيْنِ من سورة البقرة:

وَلاَ يَابَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُواْ

وهذا معناه أن الذي يطلع على أخبار معينة أو يمتلك أدلةً داحضة تمكن من الفصل في قضية من القضايا ثم دعي إلى الإدلاء بها، فلا ينبغي له أن يكتمها ولا أن يرد الدعوة التي دعي بها إليها، بل من واجبه أن يستجيب، مؤديا ما عليه من غير تبديل ولا تغيير، تماما كما جاءَ الأمر بذلك في سورة النساء حيث يقول تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالاَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله، تنبأ صلى الله عليه وسلم بما ستؤول إليه الأمة في أمر الشهادة وترك الإدلاء بها على وجهها اللائق بها فقَالَ صلى الله عليه وسلم متأسفا:

خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ

أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام، موضوع الشهادة موضوع مطروح بحدة على أنظارنا خلال هذه الأيام وفي يومنا هذا على وجه الخصوص. ومن الأهداف التي ترومها خطبة الجمعة تذكير روادها بما يوصيهم به دينهم ويدعوهم إليه ربهم من فعل الخير وكلِّ ما يؤدي إليه وترك الشر وكلِّ ما يرتبط به. والقول في هذا الإطار إنَّ الشهادةَ أمرُها عظيم، فلا يجوز الاستخفاف بها ببيع الذمة من أجل عَرَضٍ زائل أو تقديم قريب وإن كان أبا أو أما! بل حتى إذا كانت الشهادة لصالح عدو فعليك أن لا تتمارى فيها وأن تدلي بما عندك حولها مصداقا لنداء الله عز وجل لنا القائل:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ الله َخَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

ومعنى العدلِ هنا أن يقول الشاهد الحقَّ كما يراه ويعتقده لا كما يمليه عليه هواه ولا كما تطالبه به نفسه الأمارة بالسوء. فالمسلم التقي هو الذي لا يخرج عن الحق أبدا ولا تزيغ به الأهواء مهما كلفه ذلك من ثمن والحمد لله على نعمة الإسلام.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. عباد الله، لقد قلنا في الخطبة الماضية إن حمل المسؤولية أمانة في عنق من يتحملها ويرشح نفسه لها ويحق لنا اليوم أن نقول إن الإدلاء بالشهادة على وجهها أمانة في عنق من يدلي بها ويتصدى لها. والشهادة بالحق من غير تزوير ولا تزييف من مقومات الفلاح الذي دعانا ربنا لابتغائه وجعلِ حياتنا مناسبةً لتحصيله، فإن الله سبحانه وتعالى حين وصف الإنسان الناجح، الفائزَ بالجنة بإذنه، المكرمَ عنده من قِبَلِه قال جل جلاله:

إِنَّ الاِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلّاَ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ

 إلى أن قال تعالى

وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ

أيها الأخ المسلم الكريم، إن تزكية الإنسان لنفسه أمر مذموم عموما فلا يليق بمسلم أن يتشدق أمام الناس بما حباه الله من مكارم الأخلاق ولا من مقومات الشخصية ولا من غيرِ ذلك من المميزات التي يمتاز بها لأن الله تبارك وتعالى يقول عن نفسه:

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الاِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلّاَ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الاَرضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى

فإذا كنت مزكيا نفسك فاعمل على تحسين علاقتها بربها دون النظر في هل يرى الناس ذلك أم لا. أما تزكيك لغيرك من البشر فاعلم أنها أيضا مسؤولية إذ فيها شهادة بكونه الأصلح للأمر الذي ترشحه له. فاحذر إن طُلِبَ منك أن تشهد شهادة في هذا الإطار أو تدلي بصوت وهو من الشهادة أن لا تشهد إلا بما تعلم أنه حق. فالتصويت شهادة لا محالة وأمانة ستسأل عنها فلا تضيعها مقابل دريهمات ولا من أجل قرابة أو صداقة بل أدها لوجه الله لمن تعلم أنه سيعمل إرضاءً لله وابتغاءً لوجهه. اللهم اعصمنا من الزلل واكفنا الخَلَل وألبسنا الحُلَل وأبعد عنا الفتنَ ما ظهر منها وما بطن. اللهم أعنا على طاعتك في كل وقت وحين ودون انقطاع آمين وصل اللهم على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم انصر ولي أمرنا وارفع يا رب شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.