L’après Ramadan!

(ماذا بعد رمضان؟)

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى أن وفقنا لصيام رمضان ونشكره جل وعلا على تمكينه لنا من بلوغ نهايته، آملين أن يزيدنا من فضله فيعيده علينا باليمن والبركات سنوات عديدة وأعواما مديدة ونشهد أنه الله، لا رب لنا سواه ولا معبود بحق إلا هو، أوصانا سبحانه وتعالى بخصال الاستقامة فكانت تاسعتُها الوفاءَ بالعهد فقال جل جلاله فيما اشتهر أنها الوصايا العشر في القرآن الكريم:

قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

 

ثم إنه سبحانه وتعالى ذكرنا بالمسؤولية التي تطال أصحاب العهود فقال سبحانه:

وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً

ثم أيضا توعد الذين ينقضون عهودهم بالخسران المبين فقال عز شأنه:

الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ / أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله كان لا يفتر عن وصية الأمة بالوفاء بالعهد وعدم نقضه حتى قال أنس بن مالك رضي الله عنه:

مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَالَ: لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ

أما بعد فيا أيها الأحبة البررة الكرام، هذا آخر يوم من رمضان وقد صدق من قال ذهب منتقلاً وولى مرتحلاً، ذهب بأعمالكم شاهدًا بما أُودع فيه، فيا تُرى هل رحل حامداً الصنيع أو ذامّاً التضييع؟ فمن أحسن فعليه بالتمام ومن كان فرَّط فليختم بالحسنى فالعمل بالختام. ومعنى هذا أن جُلنا قد صام رمضان وأكثرَنا صلى التراويح واجتهد في قراءة القرآن وهذا شيء جميل نرجو له القبول ويبقى السؤال عن ماذا بعد رمضان؟ هل الذين صاموا عن الأكل والشرب مستعدون للاستمرار في الصوم عن أكل الحرام والأعراض وشرب الخمر والرذيلة أم سيقولون ولى رمضان وجاء موسم الحرية والاستمتاع بالإثم والمعصية! هذا هو السؤال المطروح وثمة أسئلة أخرى نطرحها بعد الاستراحة والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. عباد الله، رمضانُ ولى فعلا، فهل من المعقول أن يذهب معه كلُّ ما كان قد اعتاد عليه المسلمون من الطاعات؟ فهل الذين كانوا يملؤون المساجد في صلاتَي العشاء والصبح على استعداد للاستمرار على نهجهم ذاك أم أن الأمر قد انتهى وعدنا إلى ما كنا عليه قبل رمضان من الزيغ والزلل؟ إن ربنا قد حذرنا من مثل هذا التصرف فقال:

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ

وهذا معناه أن الإنسان إذا سلك طريق الهدى لفترة ما لا ينبغي له بعدها أن يتنادم معه الحال فيتشوق إلى ترك الاستقامة. أم قد نسينا قوله سبحانه:

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ

وهو دليل قاطع على أن عبادة الله لا تكون بالمواسم وإنما رمضان هو موسم خير يتربى فيه الإنسان على الطاعة والدوام عليها، لا الانقطاع عنها بعده! فكن يا مسلمٌ آخذًا من صومك مدرسةً تستلهم منها شدة العزم، وقوة الإرادة على كل خير، تعظيماً للسلوك وتقويماً للنفوس وتعديلاً للغرائز وتهذيباً للظواهر والبواطن وصفاءً ونقاءً للأعمال والضمائر، إرادةً منك مستقيمة على الدوام، في قوةٍ على الفضائل لا تعرف ليناً وفي صلابةٍ على المحاسن لا يدخلها استرخاء. فهل من سعي في إصلاحِ ما فسد ومعالجةِ ما اختل وتقويةِ ما ضعف. لقد لخص الحبيب كل هذا الكلام في كلمتين قالهما لمن جاء يسأله أن يحدثه بأمر يعتصم به. قال له:

قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ

فقال الرجل يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ هَذَا! فاللهَ اللهَ عباد الله، لقد عاهدنا الله في رمضان على الطاعة فلا نكن أول ناقضي هذا العهد فنكون من الخاسرين أو ممن يجني لعنته تعالى والعياذ بالله فاللهم كن لنا ولا تكن علينا. اللهم اعصمنا من الزلل وأعنا على طاعتك في كل وقت وحين ودون انقطاع آمين. وصل اللهم وسلم على هذا النبي الكريم وعلى آله وكل من والاه، اللهم انصر ولي أمرنا وارفع يا رب شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه والحمد لله.