(اشراقات من تاريخ إسلامنا العظيم: سعد بن معاذ رضي الله عنه)
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمد من لا ينتهي من حمده ونشكره جل وعلا شكر من لا يفتر عن شكره ثم نستهديه سبحانه ونستغفره ونشهد أنه الله، لا إله غيره، لا رب لنا سواه ولا معبود بحق إلا هو، أثنى على الجهاهدين في سبيله مبينا أنهم أعظم أجرا من غيرهم من المؤمنين الصادقين فقال تبارك اسمه وعز شأنه:
لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُومِنِينَ غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله بين أن الدعوة إلى الله ودلالةَ الناس على الخير هما الهدف الأسمى من الجهاد في سبيل الله فقال لعليٍّ يوم خيبر وكان قد سأله قائلا أقاتل الناس حتى يكونوا مثلنا، بمعنى حتى يسلموا:
انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ
أما بعد فيا أيها الأحبة البررة الكرام، موعدنا اليوم دائما في إطار اقتفائنا للقدوة مع رجل لم يعش في الإسلام إلا ستَّ سنين ورغم ذلك كان له من الفضل في الدعوة وفي الجهاد ما لا يقدر عليه المعمرون! أجل فهذا الرجل لم يلبث أن أسلم حتى أسلم على يده كلُّ قومه من دون استثناء، ثم كانت له مواقف عظيمة في الجهاد وخصوصا في غزوتي بدر والأحزاب اللتين شهدهما. فمن هو يا ترى؟ إنه ذاك الذي قال فيه الحبيب المصطفى عند تشييع جنازته رضي الله عنه وأرضاه:
اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
إنه إذن أبو عمرو سعدُ بنُ معاذٍ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ. أسلم على يد مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْر في قصة مشهورة ثم جاء إلى قومه من بني عبد الأشهل فقال: كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟ قَالُوا سَيِّدُنَا فَضْلًا وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً، قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ، رِجَالُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ الراوي: فَوَاللَّهِ مَا بَقِيَ فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا وَأَسْلَمُوا، فلم يكن رجل أيمن ولا أبرك على قومه من سعد بن معاذ. فهذه هي الدعوة وهذا هو الإيمان وهذه هي الإمامة واستعمال النفوذ بحق ولله الحمد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه. أما في موضوع الجهاد فقد جند سعد نفسه له فظهرت بطولته غير ما مرة فحين استشار النبي صحابته في التصدي لجيش قريش عند بدر تكلم المهاجرون وأحسنوا،لكن النبي الكريم كان يريد أن يسمع رأي الأنصار على وجه الخصوص فتقدم سعد بن معاذ وقال:
لَكَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: فَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقى بنا عَدُوَّنَا غَدًا إِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ صُدُقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُرِيَكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ
أما في الخندق فقد تأكدت شجاعته وبين على صلابته حين أراد الرسول الكريم أن يفرق شمل الأحزاب بالتفاوض المنعزل مع قبيلة غطفان فعرض عليهم ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا ويتركوا قريشا وحدها ولكن سعدا أتاه فقال له:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْرًا نُحِبُّهُ فَنَصْنَعُهُ أَمْ شَيْئًا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ لَا بُدَّ لَنَا مِنْ الْعَمَلِ بِهِ أَمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا ؟ قَالَ بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ وَاَللَّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّنِي رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ لَا نَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تَمْرَةً إلَّا قِرًى أَوْ بَيْعًا، أَفَحِينَ أَكْرَمْنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزَّنَا بِكَ وَبِهِ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا، مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ، وَاَللَّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إلَّا السَّيْفَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ
وجُرح سعد في تلك الغزوة واستجاب الله دعاءه بإبقائه على قيد الحياة حتى قرت عينه من بني قريظة الذين كانوا مواليه في الجاهلية إلا أنهم خانوا عهد رسوله حين اشتد الأمر على المسلمين. فلما مات سعد تكلم في خفة نعشه فقال النبي:
إِنَّ لَهُ حَمْلَةً غَيْرَكُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدِ اسْتَبْشَرَتِ الْمَلَائِكَةُ بِرُوحِه
ثم دعا له بهذا الدعاء أو قل شهد له بهذه الشهادة وطبع له على ذلك الوسام:
اللَّهُمَّ إِنَّ سَعْدًا قَدْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِكَ وَصَدَّقَ رَسُولَكَ وَقَضَى الَّذِي عَلَيْهِ فَتَقَبَّلْ رُوحَهُ بِخَيْرِ مَا تَقَبَّلْتَ بِهِ رُوحًا، فَلَمَّا سَمِعَ سَعْدٌ كَلامَ رَسُولِ اللَّهِ فَتَحَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا إِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ
فرضي الله عنه وأرضاه وجعلنا ممن يقتدي به في جهاده وبطولته وحبه للرسول آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله. اللهم انفعنا بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم ولا تخالف بنا عن سنتهم ولا عن نهجهم. وانصر اللهم ولي أمرنا. اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.