(اشراقات من تاريخ إسلامنا العظيم: نسيبة بنت كعب رضي الله عنها)
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمدا لا نحمده أحدا سواه ونشكره جل وعلا شكرا لا ينبغي لأحد غيره ونشهد أنه الله، لا إله إلا هو، لا رب لنا سواه ولا معبود بحق إلا هو، سَوَّى بين الذكور والإناث في الأجر عن الجهاد وعن الدعوة إليه وعن الذود عن دينه الحنيف فقال عز شأنه في محكم تنزيله من سورة آل عمران:
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسوله جاءته ذات يوم صحابية جليلة، متزعمةً الدفاع عن حق المرأة في الذكر في القرآن فقالت رضي الله عنها:
مَا أَرَى كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا لِلرِّجَالِ وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُومِنِينَ وَالْمُومِنَاتِ القَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ، الآية
أما بعد فيا أيها الأحبة البررة الكرام، في إطار اقتفائنا للقدوة دائما، يطيب لنا اليوم التعرف على ثالث شخصية إسلامية من بين الأنصار تلكم هي الفاضلة المجاهدة الخزرجية النجارية أمُّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ المازنية. أسلمت قديما فشهدت ليلة العقبة قبل الهجرة بثلاث سنوات ثم تميزت حياتها بما قدمته من جهاد في سبيل الله إلى أن توفاها الله عز وجل في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه صابرةً محتسبةً مقبلةً غيرَ مدبرةٍ. يقول الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء شهِدتْ أم عمارة ليلة العقبة وشهدت أحدا والحديبية ويوم حنين ويوم اليمامة وجاهدت وفعلت الأفاعيل. قلت ومن تلك الأفاعيل موقفها الثابت يوم أحد الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: لمُقامُ نسيبةَ بنتِ كعب اليوم خير من مُقام فلان وفلان، إذ كانت يومئذ تقاتل أشد القتال وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جُرحت ثلاثةَ عَشَرَ جرحا. وحكت هي بنفسها فقالت كما في الطبقات رَأَيْتُنِي وَانْكَشَفَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا بَقِيَ إِلَّا فِي نُفَيْرٍ مَا يُتِمُّونَ عَشْرَةً، وَأَنَا وَابْنَايَ وَزَوْجِي بَيْنَ يَدَيْهِ نَذُبُّ عَنْهُ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بِهِ مُنْهَزِمِينَ، وَرَآنِي وَلَا تُرْسَ مَعِي فَرَأَى رَجُلًا مُوَلِّياً وَمَعَهُ تُرْسٌ، فَقَالَ: أَلْقِ تُرْسَكَ إِلَى مَنْ يُقَاتِلُ فَأَلْقَاهُ فَأَخَذْتُهُ، فَجَعَلْتُ أُتَرِّسُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صاى الله عليه وسلم فما شاء الله لا قوة إلا بالله والله أكبر ولله الحمد والمنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، ولم تنته من حكايتها بل أتمت قائلة: فَيُقْبِلُ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَيَضْرِبُنِي وَتَرَّسْتُ لَهُ فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا وَوَلَّى فَأَضْرِبُ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصِيحُ: يَا ابنَ أمِّ عِمَارَةَ أمُّك أمك، قالَت: فَعَاوَنَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَوْرَدْتُهُ شَعُوب. ثم َأَقْبَلَ رجل كان قد جرح ابنها فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: هَذَا ضَارِبُ ابْنِكِ قَالَتْ: فَأَعْتَرِضُ لَهُ فَأَضْرِبُ سَاقَهُ فَبَرَكَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْتَسِمُ وَقَالَ: اسْتَقَدْتِ يَا أم عمارة ثُمَّ أَقْبَلْنَا نَعُلُّهُ بِالسِّلَاحِ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ظَفَّرَكِ ولما أخذت تحث ابنها عبد الله على القتال بعد ضمدت جراحه جعل النبي يقول
مَنْ يُطِيقُ مَا تُطِيقِينَ يَا أُمَّ عِمَارَة
ودعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها ولزوجها ولابنيها بدعاء عجيب فقال:
اللَّهُمُ اجْعَلْهُمْ رُفَقَائِي فِي الْجَنَّةِ فَقَالَتْ: مَا أُبَالِي مَا أَصَابَنِي مِنَ الدُّنْيَا
ولم تكتف بهذا الموقف العظيم بل كانت لها مواقف في المشاهد كلها وأنجبت شهيدا وفقيها. أما الفقيه فابنها عبد الله الذي حكى لنا وضوء رسول الله وأما الشهيد فحبيب الذي أرسله رسول الله إلى مسيلمة الكذاب فأراد هذا الأخير أن يستدرجه فلما أبى عليه قتله وقطَّعه عضواً عضوا فقالت قولتها المشهورة:
لمثل هذا أعددته وعند الله احتسبته
فأي نوع من النساء هذا؟ ولكنه الإيمان وحب الله ورسوله. فلما كان يوم اليمامة خرجت مع ابنها عبد الله لمحاربة المرتدين فكانت تصيح أين أنت يا مسيلمة وواصلت القتال حتى قطعت يدها وبعد العودة ظل أبو بكر يطمئن عليها ويسأل عنها. ولم يكن همها الوحيد في القتال بل روت لنا أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم:
الصَّائِمُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ الطَّعَامُ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ
فرضي الله عنها وأرضاها وجعلنا ممن يقتدي بها في جهادها وتضحيتها وحبها للرسول آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله. اللهم انفعنا بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم ولا تخالف بنا عن سنتهم ولا عن نهجهم. وانصر اللهم ولي أمرنا. اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.