Mouadh ibn Jabal

(اشراقات من تاريخ إسلامنا العظيم: معاذ بن جبل رضي الله عنه)

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمدا لا نحمده أحدا سواه ونشكره جل وعلا شكرا لا ينبغي لأحد غيره ونشهد أنه الله، لا إله إلا هو، لا رب لنا سواه ولا معبود بحق إلا هو، نوه سبحانه وتعالى بالعلم وبحملته فقال جل وعلا:

يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسوله ذكر بعض أصحابه ذات يوم معددا مميزات كل من ذكر فقال كما يروي ذلك الترمذي عن أنس بن مالك:

أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ

أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، في اقتفائنا للقدوة واكتشافنا لبعض الإشراقات من تاريخ ديننا الحنيف، عبر خطبنا المسترسلة، تعرفنا إلى حد اليوم على سبعة من الصحابة كلهم من المهاجرين. وقد آن أوان الانتقال إلى ذكر الأنصار الذين آووا رسول الله فكانوا خير سند له وأعظم مجير لرسالته حتى قال صلى الله عليه وسلم:

لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ، أَوْ شِعْبَ الْأَنْصَارِ

وإن أول أنصاري أحب التعرض لمناقبه لهو الشاب العابد والعالم الجليل والفقيه الكبير معاذ بن جبل. معاذٌ هذا هو أبو عبد الرحمن بنُ عمرو بنِ أوس الأنصاري البدري الخزرجي، شهد العقبة شابا وله عدة أحاديث رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قوله رضي الله عنه يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، مِمَّ يدل على غاية فطنته وحسن فهمه، رغم شبابه، لمعنى الحياة والهدف منها، فيا ليت شبابنا يقتدي بهذه الشعلة فيجعل همه في كسب رضا الله لا في إشباع هواه وشهواته دون النظر إلى ما حل من ذلك أو حرم. لقد بلغ معاذٌ من العلم أن أخذه عنه كبار التابعين وقبلهم من أعيان الصحابة الكرام أمثالِ ابنِ عمر وابنِ عباس وجابرٍ وأنسٍ وأبي أمامة. وهذا العلم لم يشهد له به هؤلاء فقط بل شهد له به الشهيد الأعظم سيدنا رسول الله، فعن عبد الله بن عمرو أنه صلى الله عليه وسلم قال:

خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ

وكان معاذ من السبعة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، أخرج الحاكم في مستدركه عن أَبَي عُبَيْدَةَ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:

مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَعْلَمُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَإِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِهِ الْمَلائِكَةَ

ثم إن أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب قال مقولة فيها شهادةٌ عظيمةٌ لهذا الرجل:

وَإِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي وَقَدْ تُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ اسْتَخْلَفْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَإِنْ سَأَلَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ، قُلْتُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ الْعُلَمَاءِ نُبْذَةً

ولقد نال رضي الله عنه منزلة عظيمة في قلب رسول الله ما ألجأ الحبيب إلى إخباره بها وهو الذي علمنا في حديثه، إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ. قال معاذ رضي الله عنه:

أَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِي وَقَالَ: يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ

وعن الشعبي قال قرأ عبد الله: إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا فقال له فروة بن نوفل: إن إبراهيم، فأعادها ثم قال: إن الأمةَ معلمُ الخير والقانتَ المطيعُ وإن معاذا كان كذلك. ويكفيه فخرا وعلو منزلة أنه كان من الستة الذين كانوا يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثة من المهاجرين، عمر وعثمان وعلي وثلاثة من الأنصار، أبي بن كعب ومعاذ وزيد. قال رضي الله عنه لأحدهم وكان قد سأله الوصية:

اعلم أنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك إلى الآخرة أفقر فابدأ بنصيبك من الآخرة فإنه سيمر بك على نصيبك من الدنيا فينتظمه ثم يزول معك أينما زلت

مات رحمه الله في طاعون الشام سنة 18 هـ وكان رضي الله عنه يغشى عليه من شدة المرض فإذا سري عنه قال: رب، غم غمك، فإنك تعلم أني أحبك فأي صبر هذا وأي رضاً بقضاء الله ذاك فرضي الله عنه وأرضاه وجعلنا ممن يقتدي به في علمه وفي فقهه وصبره على البلاء ورضاه بالقضاء آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله. اللهم انفعنا بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم ولا تخالف بنا عن سنتهم ولا عن نهجهم. وانصر اللهم ولي أمرنا. اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ويرحم الله عبدا قال آمين.