(اشراقات من تاريخ إسلامنا العظيم: أم سلمة رضي الله عنها)
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمدا لا نحمده أحدا سواه ونشكره جل وعلا شكرا لا ينبغي لأحد غيره ونشهد أنه الله الملك القدوس، لا رب لنا سواه ولا معبود بحق إلا هو، لم يفرق سبحانه وتعالى بين الذكور والإناث في الفضل والخيرية فذكرهم معا في كتابه في غير ما موضع فكان من بينها قوله جل وعلا:
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسوله خطب السيدة المحجبة الطاهرة هندَ بنت أبي أمية المخزومية المعروفةَ بأم سلمة فاعتذرت له بأنها تغار كثيرا وأنها مصبيةٌ وليس أحد من أوليائها شاهدا، فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ قائلا:
أَمَّا قَوْلُكِ إِنِّي مُصْبِيَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَكْفِيكِ صِبْيَانَكِ، وَأَمَّا قَوْلُكِ إِنِّي غَيْرَى فَسَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ غَيْرَتَكِ، وَأَمَّا الْأَوْلِيَاءُ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَاهِدٌ وَلَا غَائِبٌ إِلَّا سَيَرْضَانِ
فاللهم صل وسلم على هذا النبي الكريم والرسول العظيم وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، عدنا إلى ذكر تاريخ الإسلام وإن موعدنا اليوم في اقتفائنا للقدوة مع صحابية جليلة عفيفة عظيمة، تلكم هي أمكم أم سلمة، من المهاجرات الأول وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم زوجا لأخيه من الرضاعة، أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي الرجل الصالح فتوفي عنها فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء عدتها في سنة أربع من الهجرة. وكانت من أكثر النساء جمالا وأشرفهن نسبا وأعظمهن فقها وعلما. عمرت طويلا وكانت آخر من مات من أمهات المؤمنين وكان ذلك بعد مقتل الحسين بقليل حيث حزنت عليه كثيرا. ولها أولاد من الصحابة هم عمر وسلمة وزينب والأول هو الذي زوجها من رسول الله ولها جملة أحاديث روتها عن رسول الله وأخذ عنها العلمَ من الأعلام سعيد بن المسيب والشعبي ونافع مولى ابن عمر وعطاء بن أبي رباح وخلق كثير غير هؤلاء من التابعين المتميزين ومواقفها في الإسلام متعددة سنعمل على ذكر بعضها بعد قليل فابقوا معنا رحمكم الله منتبهين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، روى ابن سعد في طبقاته عن زياد بن أبي مريم، قالت أم سلمة لأبي سلمة: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَيْسَ امْرَأَةٌ يَمُوتُ زَوْجُهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ لَمْ تَزَوَّجْ إِلَّا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي الْجَنَّةِ فَتَعَالَ أُعَاهِدُكَ أَلَّا تَزَوَّجَ بَعْدِي وَلَا أَتَزَوَّجَ بَعْدَكَ، قَالَ أَتُطِيعِينَنِي؟ قَالَتْ نَعَمْ، قَالَ إِذَا مِتُّ تَزَوَّجِي اللَّهُمَّ ارْزُقْ أُمَّ سَلَمَةَ بَعْدِي رَجُلًا خَيْرًا مِنِّي لَا يُحْزِنُهَا وَلَا يُؤْذِيهَا. فَلَمَّا مَاتَ ، قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَمَا لَبِثْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَذَكَرَ الْخِطْبَةَ إِلَى ابْنِ أَخِيهَا أَوِ ابْنِهَا فَقَالَتْ: أَرُدُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أَوْ أَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ بِعِيَالِي ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ فَخَطَبَ. ولعل بعض الحاضرين يسأل عن الفائدة من إعادة ذكر قصة زواج أم سلمة من رسول الله. والجواب أنني أقتفي القدوة وأبحث عن الأسوة. ففي الرواية الأولى ظهرت خصلة الصراحة حين لم تتردد رضي الله عنها في ذكر ما يمكنه منعَها من الزواج ولو أن الخاطب هو رسول الله. وهذا قل ما أصبح موجودا فينا حيث الناس يبحثون عن تحصيل مصالحهم الشخصية وإن أدى ذلك إلى الإضرار بالآخر ولكن أم سلمة أبت أن يكون ذلك هو ديدنَها ففضلت التصريح بما فيها من عيوب حتى تكون منسجمة مع نفسها ومع إيمانها وطيب خلقها الذي أملاه عليها قول الله تبارك وتعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ
وأما القصة الثاني فقد ظهر فيها خلق الوفاء حيث أحبت الإبقاء على علاقتها بزوجها الحبيب إلى ما بعد الممات وهذا خلق لم يعد موجودا إلا عند الأخيار من هذه الأمة فرضي الله عنها وأرضاها وجعلنا ممن يقتدي بها في صراحتها وفي صدقها وفي وفائها وعلمها آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله. اللهم انفعنا بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم ولا تخالف بنا عن سنتهم ولا عن نهجهم. اللهم استرنا اللهم استرنا اللهم استرنا. وانصر اللهم ولي أمرنا. اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ويرحم الله عبدا قال آمين.