إشراقات من تاريخ إسلامنا المجيد (الإمام علي كرم الله وجهه)
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمدا لا نحمده أحدا سواه ونشكره جل وعلا شكرا لا ينبغي لأحد غيره ونشهد أنه الله الملك القدوس، لا رب لنا سواه ولا معبود بحق إلا هو، أثنى على المجاهدين في سبيله وأفصح عن الدرجات التي من المقرر أن يتبوءوها غدا يوم القيامة فقال سبحانه:
لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسوله شهد لعلي بن أبي طالب بأنه فارس عظيم من فرسان الإسلام وأنه محبوب لدى اللهِ ورسولِه فقال يوم خيبر وهو يرجو فتح حصونها بعد إخفاق في اليومين السابقين:
لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ، فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ، فَقَالَ: أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، فَقَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، إن موعدنا اليوم في اقتفائنا للقدوة مع الخليفة الرابع والبطل المغوار والصحابي الجليل الإمامِ عليٍّ بن أبي طالب، ابنِ عم رسول الله وزوج ابنته فاطمة ووالد سبطيه الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة. له في الإسلام السابقة العظيمة فهو أول من أسلم من الصبيان، لم يسجد لصنم قط وهو خير من ضحى بنفسه في سبيل نجاة الحبيب المصطفى ليلة الهجرة حين نام في فراشه لإيهام قريش بأن الرسول لا يزال في بيته. فظهرت بذلك شجاعته التي لم تزل مضربا للمثل إلى يومنا هذا. ومما يدل على هذه الشجاعة أنه كان مقدامًا لا يهاب الموت ولا يجزع لمرأى الأبطال ومنازلتهم بل يسعى إليهم، ففي أُحد حيث بدأ القتال بمبارزة بينه وبين طلحة بن عثمان حامل لواء المشركين فقال له علي والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يجعلك الله بسيفي إلى النار أو يجعلني بسيفك إلى الجنة. الله أكبر. فهذه هي شجاعة علي التي يحتاج المسلمون إلى امتثالها والعمل بها ولقد تفجرت عن خصلة أخرى نتعرف عليها فابقوا معنا والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، لما بارز علي عثمان بن طلحة ضربه فقطع رجله فوقع على الأرض فانكشفت عورته فقال: يا ابن عمي، أنشدك الله والرحم فرجع عنه علي ولم يجهز عليه، ثم قيل له: أفلا أجهزت عليه؟ فقال إنه ناشد في الرحم حين انكشفت عورته فاستحييت منه! انظروا أيها الأحبة إلى هذا الخلق الرفيع من هذا الرجل العظيم. أليس من واجبنا أن تتخذه قدوة؟ بلى! أين نحن والحياء؟ أين نحن والشهامة؟ أين نحن والحلم؟ ألم يأن لنا أن نتعظ بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة جنده الذين يقول فيهم ربنا:
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانً
وثمة خصلتان أخريان، امتاز بهما الإمام علي، أود الوقوف عندهما لعلنا نتخذه فيهما أيضا قدوة وأسوة. إنهما العلم والزهد. أما العلم فيكفيه قول النبي فيه:
أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا، فَمَنْ أَرَادَ الْمَدِينَةَ، فَلْيَأْتِ الْبَابَ
وعن ابن عباس أنه قال: إذا حدثنا ثقة عن عليّ بفُتيا لا نعدوها. وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: ما كان أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من عليٍّ بن أبي طالب!
وأما زهده فلا يتسع المجال لبسطه بل نقتصر على القول بأن عليّا كان ذا مواهب عديدة وقدرات فذة ولكنّ لم يطمعه ذلك في الدنيا ومتاعها بل لم يتركها تملك قلبه فحَمَلَهُ ورعُه على أن لا يتجرأ على مال أحد فإذا كسب منه شيئا وضعه حيث ينبغي وفي كل هذا له مواقف تشهد له، منها ما أَخْبَرَ به زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ الجهني حين قال: خَرَجَ عَلَيْنَا عليٌّ وعَلَيْهِ رداء وإزار قَدْ رُقِّعَ إِزَارُهُ بِخِرْقَةٍ فعيب عليه فَقَالَ:
إِنَّمَا أَلْبَسُ ذلك لِيَكُونَ أَبْعَدَ لِي مِنَ الزَّهْوِ وَخَيْرًا لِي فِي صَلاتِي وَسُنَّةً لِلْمُؤْمِنِ
فرضي الله عنه وأرضاه وجعلنا ممن يقتدي به في شجاعته وزهده وحيائه وعلمه آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله. اللهم انفعنا بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم ولا تخالف بنا عن سنتهم ولا عن نهجهم. أللهم استرنا اللهم استرنا اللهم استرنا. وانصر اللهم ولي أمرنا. اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ويرحم الله عبدا قال آمين.