Othman ibn Affan

إشراقات من تاريخ إسلامنا المجيد (عثمان بن عفان)

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمدا لا نحمده أحدا سواه ونشكره جل وعلا شكرا لا ينبغي لأحد غيره ونشهد أنه الله الملك القدوس، لا رب لنا سواه ولا معبود بحق إلا هو، أثنى على المنفقين أموالهم في سبيله وبين فضلهم والأجر الذي وعدهم إياه، متى كانوا في ذلك صادقين مخلصين مخبتين فقال سبحانه:

مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذىً لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسوله جَاءَه عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ حِينَ جَهَّزَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ مرددا إياها مرارا:

مَا ضَرَّ ابْنَ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ

وقال ابن هشام، صاحب السيرة النبوية، حدثني من أثق به أن عثمان بن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ عُثْمَانَ فَإِنِّي عَنْهُ رَاضٍ

أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، بعد وقفة الأسبوع الماضي للتذكير بالموت دعونا نعود لاقتفاء القدوة وقد آن أوان الحديث عن ذي النورين الخليفة الثالث عثمان بنِ عفان. كان رضي الله عنه من السباقين لاعتناق الإسلام، هاجر الهجرتين وتزوج رقية بنتَ رسول الله قبل النبوة فماتت عنده في ليالي غزوة بدر فزوَّجه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أختها أم كلثوم فنال بذلك ما لم ينله أحد من العالمين، فهو الوحيد في الدنيا الذي تزوج بنتيْ نبي ولذلك سمي بذي النورين. وعن عائشة قالت: لما زوج النبي ابنته أم كلثوم قال لها: إن بعلك أشبهُ الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد. فعثمان رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض وأحد السبعة الذين جمعوا القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم لا زال على قيد الحياة. وله رضي الله عنه في الإنفاق أخبارا لا تعد، منها قوله صلى الله عليه وسلم مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ فاشتراها عثمان فرضي الله عنه وأرضاه. وزيادةٌ في مناقبه تأتي بعد قليل فابقوا معنا رحمكم الله وسدد خطاكم وآخرُ دعوانا أن الحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، لقد عُرِفَ عثمان رضي الله عنه بأنه تزوج بنتي رسول الله وعُرِفَ أيضا بإنفاقه في سبيل الله حيث جهز جيش العسرة واشترى بئر رومة ووهب ماءها للمسلمين وهذه البئر لا زالت موجودة بمائها الحلو إلى الآن. وثمة خصلتان أخريان لا بد من ذكرهما لاستكمال صورة عثمان في الأذهان وأخذ الإسوة منه . أما الأولى فحياؤه الذي كان ولا يزال يضرب به المثل. قال الحسن البصري وهو يذكر عثمان وشدة حيائه:

إِنْ كَانَ لَيَكُونُ فِي الْبَيْتِ وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ ثُمَّ يَضَعُ عَنْهُ الثَّوْبَ لِيُفِيضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ

وشدة حيائه هذه فرضت على من حوله الاستحياء منه حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم:

أَلَا أَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ

وعن الإمام علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له كما في التدوين لأخبار قزوين للرافعي:

عُثْمَانُ رَجُلٌ ذُو حَيَاءٍ سَأَلْتُ رَبِّي عز وجل أَنْ لا يُوقِفَهُ لِلْحِسَابِ فَشَفَّعَنِي فِيهِ

أما الخصلة الثانية دون الحياء والتي أود الوقوف عندها فهي قنوته و صلاته وكثرة صيامه وتلاوته لكتاب الله عز وجل. أما قنوته وصلاته فيروى أن ابن عمر سمع قوله
الله تعالى: أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه فقال: هو عثمان بن عفان. وجاء في صفوة الصفوة أنه رضي الله عنه يقوم الليل إلا هجعة من أوله فقالت امرأته كان يحيي الليل كله في ركعة يجمع فيها القرآن. وأما صيامه فيكفيه أنه قتل وهو صائم وكان قد قال لمن حوله قبل مقتله بقليل:
إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام وأبا بكر وعمر وقالوا : اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه فقتل وهو بين يديه
قُتل رضي الله عنه محاصراً مظلوماً وهو يقرأ سورة البقرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال له:

تُقْتَلُ وَأَنْتَ مَظْلُومٌ، وَتَقْطُرُ قَطْرَةٌ مِنْ دَمِكَ عَلَى فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ

فرضي الله عنه وأرضاه وجعلنا ممن يقتدي به في صبره وجوده وحيائه وقنوته آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله. اللهم انفعنا بمحبتهم واحشرنا في زمرتهم ولا تخالف بنا عن سنتهم ولا عن نهجهم. وانصر اللهم ولي أمرنا. اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه والحمد لله رب العالمين ويرحم الله عبدا قال آمين.