وإلينا ترجعون
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ونشكره ونستهديه ونستغفره ونشهد ألا إله غيره، ذَكَرَ عُمُرَ الإنسان وكلَّ ما يقوم به من أعمال ويتفوه به من أقوال أثناء وجوده على الأرض فلخص ذلك في أربع آيات من القرآن فقال سبحانه وهو الحنين المنان:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ
فهذه عباد الله هي قصة الحياة، ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُ الله ورسوله كثيرا ما كان صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه وإيانا بالموت وبحقيقته حتى قال أبيُّ بن كعب رضي الله عنه، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ
أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام، أتصور أنكم تنتظرون مني المضيَّ في اقتفاء القدوة على غرار ما فعلناه خلال الجمع الخمس السابقة ولكني ارتأيت أن أتوقف هذه المرة عن طرق ذاك الباب وأفتح قوسا في السلسلة حتى يقع التنويع ولا يحصل الملل، عملا بما جاء في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. هذا وقد وصلتني قبل أربع رسالة بل قل موعظةٌ بليغة أثرت في تأثيرا عميقا فأحببت اقتسام فحواها معكم لعلها تجد في الحاضرين أذنا صاغية أو قلبا واعيا فتأخذ مأخذها وتفعل فعلتها فنعود جميعا إلى ربنا مستسلمين نادمين تائبين. أود أيها الأحباب أن أذكر نفسي أولا وإياكم بقوله تعالى: » إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، وبقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عند العزاء إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ. هذه العبارات أيها الأحبة كثيرا ما نسمعها عند موت أحدنا. ولا يخلو يوم من موت فالموت حي بيننا لا يكاد يفارقنا وهذه هي سنة الحياة.
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ
هذه هي النهاية، نهاية كل واحد ولا سبيل لردها ولا للإفلات منها فيا لسعد من ذكر نفسه بها وعمل لما بعدها ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله والله أكبر.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، إذا مات الإنسان راج نبأ وفاته وقال الناس محزونين توفي فلان والصلاة عليه في جامع كذا وسيدفن بمقبرة كذا بعد صلاة الظهر أو غيرها. هكذا يصبح الإنسان في خبر كان. ولا شك أنه سيكون اسمي واسمك في يوم من الأيام هو المتداول فما علينا إلا أن نحسن العمل ونستدرك ما بقي من العمر فالموت لن ينتظر استقامتنا. نحن الذين ينبغي لنا أن نستقيم في انتظار الموت! كن يا مسلم على حذر، خالق الناس بخلق حسن واحرص على أداء واجباتك وخصوصا الصلاة فمباراة الكرة 90 ﺩقيقة والفيلم 130 أما الصلاة فعشر ﺩﻗﺎﺋﻖ فقط وأما النار والجنة فإلى الأبد:
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى
أيها المسلم لا شك أن لك أصدقاء وأحباب ولكنك عند الشدة سرعان ما يقل عددهم ويوم موتك ستجد نفسك وحدك ، فاحرص على أن تكون ممن يحافظ على الصلاة عسى أن تجدها إلى جنبك. اتل القرآن واجعل منه أنيسا لك عساه يؤنسك يومئذ وإلا فقل من الآن وحسرتاه عسى أن يدفعك ذلك إلى الإنابة والقرب من ربك. أسباب الموت متعددة، حوادث، أمراض، صواعق، فجأة ولكن في النهاية كل يترك الدنيا وراء ظهره ويوارى التراب وحتما سيأتي يومي ويومك فجهّز العدّة لسفر ليس له رجوع. أما تلوت قوله تعالى:
حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ
فلا تؤخر التوبة بحجة أنك صغير أو قوي فالمقابر ليست فقط للكبار والمرضى فاصفح واسمح واصدق فأنا وأنت وهم كلنا راحلون مصداقا لقوله تعالى:
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ
واعلم أن من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بـُعِثَ عليه فاللهم إنا نسألك حسن الخاتمة والفوز بالجنة والنجاة من النار. اللهم صل على سيدنا محمد. اللهم انفعنا بمحبته واحشرنا في زمرته ولا تخالف بنا عن سنته وانصر اللهم ولي أمرنا ارفع اللهم شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أسرته وشعبه والحمد لله.