إشراقات من تاريخ إسلامنا المجيد (الفاروق)
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمدا لا نحمده أحدا سواه ونشكره جل وعلا شكرا لا ينبغي لأحد غيره ونشهد أنه الله الملك القدوس، لا رب لنا سواه ولا معبود بحق إلا هو، أنزل آيات عدة على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فكانت مؤيدة لرأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، منها قوله جل شأنه وعز جاره في سورة الأنفال:
مَا كَانَ لِنَبِيءٍ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسوله كان لا يتردد في الثناء على صاحبه ووزيره المفضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى قال ذات يوم كما يروي ذلك الترمذي في جامعه والحاكم في مستدركه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه:
لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، إن الشخصية الخامسة التي سنتعرف عليها في إطار اقتفائنا للقدوة شخصيةٌ يعرفها الجميع إذ اشتهرت مناقبها على الألسنة فتداولها الناس بكثير من التبجيل والاحترام على مر القرون والأزمنة ولا تزال وإلى اليوم، وما ذِكرُنا لها إلا من باب عدم بخس الناس حقهم فما كان لنا في معرض النبلاء أن نمر مر الكرام على الفاروق وهو أنبلهم. إنه أمير المؤمنين أبو حفص عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه الذي أسلم في السنة السادسة من النبوة بعد أن دعا الحبيبُ صلى الله عليه وسلم بدعائه الذي قال فيه اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خَاصَّةً. وهو رضي الله عنه من الشهداء حيث قتله غدرا أبو لؤلؤة المجوسي وهو في محراب رسول الله يؤم الناس في صلاة الصبح. اشتهر رضي الله عنه بعدله وعدم التماطل في قول الحق حتى قال فيه نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم كما هو مرويٌّ في السنن والمسند عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه:
إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب قال عن نفسه:
وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَنَزَلَتْ وَاتَّخَذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَآيَةُ الْحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
وموافقات عمر للقرآن أكثر من هذا فاللهم صل على رسول الله والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، لقد عد الإمام السيوطي موافقات الفاروق للقرآن الكريم فبلغت العشرين ونيفا، منها ما ذكرناه آنفا ومنها موافقته لربه في تحريم الخمر وذلك أنه قال قبل نزوله اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. ومنها أيضا موافقته لقوله تعالى في سورة المؤمنون فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ حيث نطق بهذه العبارة فور سماعه للآية التي سبقتها قبل أن يمليه النبي صلى الله عليه وسلم عليهم. ومنها كذلك موافقته لقول الله تعالى في عبد الله بن أبي بن سلول حين مات وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِه حيث كان قد نهى رسول الله عن فعل ذلك فأيد الله رأيه من فوق سبع سماوات. وغير ذلك كثير لا مجال لذكره كاملا فنكتفي بما أوردناه مؤكدين على ما سار عليه السلف الصالح من استنباطات وتحريات، فقد جاء عن مجاهد رحمه الله أنه قال:
كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن
وأخرج ابن عساكر عن الإمام علي كرم الله وجهه قال:
إن في القرآن لرأيا من رأي عمر
وعن ابنه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه قال:
ما قال الناس في شيء وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بنحو ما يقول عمر
وهذا أيها الإخوة الكرام غيض من فيض ومناقب الفاروق لا تعد ولا تحصى وحسبنا منها أنه نال من الفضل ما خول له أن يُبشَّر بالجنة وذلك لما كان يكتسي من زهد في الدنيا وصدق في القول وقصد في العمل وقوة في الحق حتى أن إبليس كان يتقي الطريق الذي يسلكه عمر، ففي البخاري عن سعد أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ
فأفلا يليق بنا أن نقتفي أثر هذا العظيم من بين العظماء وهو الذي نصح النبي صلى الله عليه وسلم بأن نتخذه قدوة حين قال: اقْتَدُوا بِاللَّذِينَ مِنْ بَعْدِي، أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله. اللهم انفعنا بمحبته واحشرنا في زمرته ولا تخالف بنا عن سنته ولا عن نهجه. وانصر اللهم ولي أمرنا. اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه والحمد لله رب العالمين ويرحم الله عبدا قال آمين.