إشراقات من تاريخ إسلامنا المجيد (عائشة)
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمدا لا نحمده أحدا سواه ونشكره جل وعلا شكرا لا ينبغي لأحد غيره ونشهد أنه الله الملك القدوس، لا رب لنا سواه ولا معبود بحق إلا هو، حكى لنا الابتلاء العظيم الذي تعرضت له أمنا عائشة في السنة الخامسة من الهجرة النبوية الشريفة فقال جل شأنه وعز جاره:
إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُو بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ لَوْلا جَاؤُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسوله جاءه عمرو بن العاص ذات يوم كما يروي ذلك الشيخان والترمذي في جامعه وغيرهم، فسأله قائلا:
أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، فَقالَ: مِنَ الرِّجَالِ، فَقَالَ: أَبُوهَا
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام، بعد يومين سيحل علينا ما يصطلح عليه باليوم العالمي للمرأة وما كنت لأذر هذه المناسبة تمر ونحن في خضم اقتفاء القدوة دون أن أتكلم عن امرأة أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها خير قدوة لهذه الأمة، خلقا وسلوكا، علما وذكاء، عبادة وتهجدا وورعا وأدبا وطهرا. التمسنا القدوة أول المطاف في زوجها المصطفى ثم في زوجه الكبرى خديجة ثم في صاحبه الصديق وآن الأوان لننظر في مناقب بنت هذا الأخير رضي الله عنها ون أبويها. أمنا عائشة هي أفقه نساء الأمة على الإطلاق هاجرت مع أبويها إلى المدينة وتزوجها النبي بأمر من ربه حيث جاءه الوحي بذلك فروت عنه علما كثيرا مباركا ونالت منزلة في قلبه لم ينلها غيرها سوى خديجة فأثنى عليها بقوله: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام؛ ثم إنه دعا لها قائلا:
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ
وفي الصحيح أنها قالت، قال رسول الله يوما: يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ « ، فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. كانت رضي الله عنها كثيرة الصيام حتى ضعفت كما كانت زاهدة في الدنيا حيث اختارت الله ورسوله على الحياة الدنيا وزينتها والكلام في زهدها أكثر من أن يجمع في كلمات، فلله الحمد والمنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، زهد عائشة يُضرب به المثل فعن عطاء أن معاوية رضي الله عنه بعث إليها بقلادة بمائة ألف فقسمتها بين أمهات المؤمنين. ثم إنه أهدى لها ثيابا وورقا وأشياء توضع في أَسْطُوَانِها فلما خرجت نظرت إليه فبكت ثم قالت لكن رسول الله لم يكن يجدُ هذا ثم فرقته ولم يبق منه شيء فلما أفطرتْ أفطرت على خبز وزيت وقال عبد الرحمن أهدي لها سلال من عنب فقسمته ورفعت الجارية سلة ولم تعلم بها عائشة فلما كان الليل جاءت به الجارية فقالت: ما هذا؟ قالت رفعت لنأكله فقالت: فلا عنقودا واحدا والله لا أكلت منه شيئا فكانت بحق ممن يصدق عليه قول الله تعالى:
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا
أما الخصلة الثانية التي ميزت عائشة علاوة على الزهد فهي الفقه والعلم بأمور الدين حتى قال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل، وكيف لا وقد تجاوز عدد الأحاديث التي روتها الألفي حديث!
يقول الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء:
مسند عائشة يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم لها على مائة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين
كما كانت المرجع الكبير لكبار الصحابة، خاصة عند المواقف والملمات فكانت تفتي بما لديها من علم وفقه في عهد عمر وعثمان إلى أن توفيت. ثم إن الله تبارك وتعالى برأها من فوق سبع سماوات بقرآن يتلى على مر العصور وإلى أن يرث الأرض ومن عليها. ثم إنه فوق حب النبي لها كانت لها خصائص منها أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها ولم يكن الوحي ينزل عليه في لحاف أزواجه إلا لحافها ثم إنه صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها وفي يومها وبين سحرها ونحرها فدفن في حجرتها. فاللهم صل على سيدنا محمد اللهم انفعنا بمحبته واحشرنا في زمرته ولا تخالف بنا عن سنته وانصر اللهم ولي أمرنا. اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أسرته وشعبه والحمد لله.