Lueurs du magnifique passé de l’Islam (Abou Bakr)

إشراقات من تاريخ إسلامنا المجيد (أبو بكر)

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمدا لا نحمده أحدا سواه ونشكره جل وعلا شكرا لا ينبغي لأحد غيره ونشهد أنه الله، لا إله إلا هو، أشار إلى الصديق في القرآن بوضوح تام وعن طريق التنويه كما لم يفعله مع غيره من الناس فقال جل جلاله:

إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا

ونشهد أن نبينا وحبيبنا وإمامنا محمدا عبدُه ورسوله قال لأصحابه ذات يوم:

مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ

أما بعد فيا أيها الأحبة، موعدنا اليوم في موكب القدوة مع سيد هذه الأمةِ بعد نبيها؛ موعدنا مع ابن أبي قحافة بنِ عامر بنِ عمرو، خليفة رسول الله وصاحبه الذي لازم الصدقَ منذ أن كان وبادر إلى التصديق مباشرة بعد ظهور النور، فلم يسبقه إليه أحد من الرجال! شككت قريش في الإسراء فأتوا أبا بكر يسألونه عن رأيه في ما يدعيه صاحبه من أنه ذهب ليلا إلى بيت المقدس ثم عاد لتوه فلم يزد على أن قال لهم: نَزَعَ اللَّهُ عُقُولَكُمْ أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ وَالسَّمَاءُ أَبْعَدُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ولم يكن رضي الله عنه قد سمع بعدُ من رسول الله بل قال قولته المشهورة إِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ صَدَقَ فقد كان واثقا من صدق النبي فأفنى عمره في خدمته وإرضائه فنال بذلك ما لم ينله أحد من المسلمين. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةَ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ وَبَابِ الرَّيَّانِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى هَذَا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فهَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ

فيا للفضل ويا للعظمة! ولقد اجتمع فيه من مكارم الأخلاق ما تفرق في غيره علاوة على صدقه الذي عرف به قبل إسلامه. فلا غرو أن يكون قد نال من رسول الله حبا لا يعدِله حب وتقديرا لا يضاهيه تقدير. صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:

لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي

فاللهم صل وسلم وبارك وأنعم على هذا النبي الكريم والرسول العظيم وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الحلجلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، كان أبو بكر رضي الله عنه أعف الناس حيث ترك الخمر والميسر وعبادة الأصنام منذ أيام الجاهلية وسئل ذات يوم هل سبق له أن شرب خمرا قبل الإسلام فقال رضي الله عنه:

أَعُوذُ بِاللَّهِ، قَالُوا: وَلِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: كُنْتُ أَصُونُ عِرْضِي وَأَحْفَظُ مُرُوءَتِي، لأَنَّهُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ كَانَ لِعِرْضِهِ وَمُرُوءَتِهِ مُضَيِّعًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ

ثم إنه رضي الله عنه، رغم نحافة جسمه، كان أشجع الصحابة فقد ثبت يوم أحد ويوم حنين وقبل ذلك قام في المشركين يدعوهم إلى الله فكان أول خطيب في الإسلام فثاروا عليه فضربوه حتى صار لا يعرف أنفه من وجهه فجاءت عشيرته فأدخلوه منزله ولا يشكُّون في موته، وبدءوا يكلمونه فلا يجيب حتى آخر النهار ثم تكلم فكان أول ما قال: ما فعل رسول اللّه؟ فقالت أمه وكانت لم تزل مشركة، واللّه ما لي علم بصاحبك فلما ألح قالوا سالم هو فقال واللّه لا أذوق طعاماً ولا شراباً أو آتي رسول اللّه فخرجوا به حتى دخل على الرسول صلى الله عليه وسلم فرقَّ له وأكب عليه يقبله فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ما بي من بأس إلا ما نال الناس من وجهي وهذه أمي فعسى اللّه أن يستنقذها من النار، فدعا لها النبي ثم دعاها إلى الإسلام فأسلمت فتبين أن أبا بكر لم تكن تعنيه نفسه بقدر ما كان يعنيه نصر الدين وإنقاذ الآخرين من الضلال. فأي حب هذا لرسول الله وأي تفان في الوفاء لهذا الدين؟ هذا وإن مواقفه في هذا الباب لا تكاد تحصى وحسبنا ما نقلناه هنا ثم أن نقول إن أبا بكر أولى الناس بانطباق هذه الآيات عليه إذ شهد الله تعالى له بأنه الأتقى وأنه لا محالة من الناجين من النار، قال تعالى خاتمة سورة الليل:

وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى

وإيتاؤه للمال هنا إشارة إلى عتقه لسبعة من العبيد كلهم كانوا يُعذبون في الله فاللهم صل على سيدنا محمد اللهم انفعنا بمحبته واحشرنا في زمرته ولا تخالف بنا عن سنته وانصر اللهم ولي أمرنا. اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وسائر أسرته وشعبه والحمد لله.