التحذير من أذى الآخر من الناس (تتمة)
الحمد لله نحمده تعالى حمدا كثيرا لا ينبغي إلا له ونشكره جل وعلا شكرا جزيلا لا يليق إلا به ونشهد أنه الله، لا رب لنا سواه ولا نعبد إلا إياه، نبه سبحانه وتعالى إلى خطورة إطلاق العنان للسان بالحديث الجارح أو بالكلام الفارغ أو بالكذب وما إليه فقال عز من قائل:
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسِبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله أشار إلى نفس المعنى فحذر من مغبة اللامبالاة في الكلام والتلفظ بما يُسْخِطُ الله تعالى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ لَا يَرَى بِهَا بَأْساً فَيَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا
وفي رواية بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ:
إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يَدْرِي أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
أما بعد، فيا أيها الإخوة البررة الكرام تكلمنا في الأسبوع الماضي عن خطر التعرض للناس بالأذى أنى كان نوعه وإنني لماض معكم اليوم في الموضوع ذاته بذكر أذىً خاص ألا وهو أذى اللسان وما بإمكانه أن يجنيه من ندم وخسارة لصاحبه. روى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ فُلانَةَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا فَقَالَ: لا خَيْرَ فِيهَا، هِيَ فِي النَّارِ! قِيلَ: فَإِنَّ فُلانَةَ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَتَصَدَّقُ بِأَثْوَارٍ مِنْ أَقِطٍ وَلا تُؤْذِي أَحَداً بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ
والأذى هنا بمعناه العام سواء كان سبا أو لعنا أو تجريحا أو ما إلى ذلك من سيء الكلام الذي يضيق جراءَه صدرُ من يتلقاه؛ فكل ذلك مخالف لما أمر به الله حين قال موجها ومربيا:
وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً
فلنتق الله عباد الله ولنحفَظ ألسنتنا من كلام محفوظ علينا لا محالة، إذ كما هو معلوم لدى العموم ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد فاللسان إخوتي خطير وبالتالي يليق بنا لجمه عن كل أشكال الأذى؛ كان ابن عباس يأخذ بلسانه ويقول: ويحك قل خيرا تغنم أو اسكت عن سوء تسلم وإلا فإنك ستندم. وفي الحديث عن ابن عمر:
لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي
فلا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. أيها المسلمون إن الأذى باللسان كثيرةٌ أنواعُه لا يسمح الوقت بالتفصيل فيها كاملة فلنكتف بذكر بعضها وبالوقوف عند أخطرها فإياك أن تؤذيَ غيرك بالكلام في ما لا يعنيك واعصم نفسك من الخوض في الباطل فقد قال النبي كما في المسند:
لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللَّهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، طَلَبَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ
ثم تجنب الكلام الذي فيه فحش أو لعن أو سب، فالمؤمن كما النبي، ليس بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا البذيء. ثم دع عنك الاستهزاء وكل أنواع السخرية بالناس وما يوقع بينهم وهو النميمة ثم كن على حذر كبير مما هو أخطر من كل ذلك ألا وهي الغيبة والعياذ بالله وهي التي يقول فيها ربنا:
وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيِّتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ
الغيبة كبيرة من كبائر الذنوب وموبقة من موبقات الآثام وحالقة من حالقات الدين يشترك في ذلك فاعلها والذي يتمتع بسماعها. وتعريفها ذكر العيب عن ظهر الغيب سواء أكان في المتكلَّمِ فيه ما يقال أم لم يكن لأنه إن كان فيه ما تقول فهو عين الغيبة وإن لم يكن فهو بهتان وهو أخطر وأكبر إثما. وهناك صنف ثالث من الغيبة هو الإفك أي أن تقول في غيرك ما بلغك عنه من غير أن تتأكد من صحته علما منك بأنه لا يحب أن تذكر ذلك عنه. هذا وإن الغيبة تكون في انتقاص الشخص في دينه وخَلْقه وخُلُقه وحسَبِهِ ونسَبِهِ وتيقن رعاك الله أن العبادة كما قال أحد العارفين بالله: ليست في الصوم والصلاة ولكن في الكف عن أعراض الناس! فاللهم صن ألسنتنا من الزور والكذب والغيبة والنميمة وكل أنواع الموارد التي لا ترضيك يا رب العالمين وصل اللهم على سيدنا محمد. اللهم انفعنا بمحبته واحشرنا في زمرته ولا تخالف بنا عن سنته. اللهم انصر ولي أمرنا اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده واحفظه في سائر أسرته وشعبه آمينَ آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.