التحذير من أذى الآخر من الناس
الحمد لله رب العالمين نحمده حمدا لا ينبغي إلا له ونشكره شكرا لا يليق إلا به ونشهد أنه الله، لا رب لنا سواه ولا نعبد إلا إياه نهى عن التسبب في أذى الآخرين والإضرار بهم ثم بين العاقبة الأليمة لكل ذلك، فقال عز من قائل:
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله أفصح عن مكارم الأخلاق التي بها يكمل إيمانُ المرء فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ
وفي الترمذي إشارةٌ جميلة إلى وجوب تفادي كلِّ ما يمكنه أن يؤذي المؤمن بل الناس كافة، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال:
لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي الْمُؤْمِنَ وَاللَّهُ يَكْرَهُ أَذَى الْمُؤْمِنِ
وفي مسند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم جاءه رجل يسأله أن يعلمه شيئا ينفعه فقال له:
انْظُرْ مَا يُؤْذِي النَّاسَ، فَاعْزِلْهُ عَنْ طَرِيقِهِمْ
أما بعد، فيا أيها الإخوة البررة الكرام علينا جميعا بتقوى الله تعالى وبالحذرِ ثم الحذرِ من الظلم وأذية الناس فإن الذين يؤذون الناس بغير حق ظاهرٍ لا بد وأن يُقتص منهم في يوم لا درهم فيه ولا دينار، يومٍ حذرنا الله منه بقوله:
وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
إيه عباد الله، إن أذية الناس بغير حق من أكبر المعاصي التي توعد الله أهلها بالوعيد الأكيد، فإن الذي يؤذي غيره بغير حق على خطر كبير من غضب الله ولو كان من الصالحين فعند مسلم أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بنَ حَرِبٍ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ فَأَتَى النَّبِيَّ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ! فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لَا، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي؛ فقل لي بربك كيف بمن لا يكتفي بإغضاب الناس بل يجرح أعراضهم ويسفك دماءهم ويسلب أموالهم ولا يترك مظلمة إلا ويقترفها بل يعمد إليها عمدا؟ إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. أيها الإخوة، إن صنوف الأذى التي ينبغي أن نحْذَرها كثيرة ومتنوعة أعظمها إثما القتل بغير حق، لأن الذي يقتل نفسا يوشك أن يحاسَب من قِبَلِ الله تعالى على إفناء البشرية كلها وذلك لقوله جل وعلا:
كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً
وقال تعالى مبينا مصير القاتل عنده:
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً
وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر:
لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا
هذا وليكن في علمنا جميعا وحتى لا نظن أن القتل ينحصر في نزع الحياة من جسم ما، أن اللعن والهجر والرمي بالكفر والتفسيقَ كلُّ ذلك بمثابة قتلِ النفس في دين الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِناً بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ
وصح عن عبد الله رضي اللعنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال:
سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ
وعن أبي خراش السلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً، فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ
أما أذية المسلمين بأخذ أموالهم وأكل حقوقهم والتعدي على ما بأيديهم فهو ظلم كبير وجرم عظيم ففي الصحيح والموطأ والسنن والمسند قال صلى الله عليه وسلم:
مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاك
فسواء أخذ بالقوة أو الخديعة والحيلة أو الرشوة أو بواسطة اليمين الفاجرة أو بحكم خاطئ والمدعي يعلم أنه مبطل أو عن طريق اعتداء أو انتهاك حرمات فكل ذلك موجب للعقوبة السالفة فاتقوا الله يا إخوة واحذروا الأذى ولا تكونوا من الغافلين فينقلبَ الأمر عليكم حسرةً وندامةً وظلماتٍ يوم القيامة فاللهم لا تجعلنا من الظالمين واحم أيدينا وألسنتَنا وكلَ جوارحِنا من السعي في أذى المسلمين يا أرحم الراحمين. اللهم اقطع دابر الظلم من على أرضك وصل اللهم على محمد اللهم انفعنا بمحبته واحشرنا في زمرته ولا تخالف بنا عن سنته. اللهم انصر ولي أمرنا وارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده واحفظه في سائر أسرته وشعبه آمينَ آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.