الرد السديد على من يسب الحبيب
الحمد لله رب العالمين نحمده حمدا لا ينبغي إلا له ونشكره شكرا لا يليق إلا به ونشهد أنه الله، لا رب لنا سواه ولا نعبد إلا إياه بين لنبيه الكريم كيف يرد على من يحاول الاستهزاء به فقال:
فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلـهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله جاء عنه في البخاري وغيره من كُتُبِ الحديث أنه قَسَمَ قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ! يقول راوي هذا الحديث فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ:
يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ!
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون، لقد فهم حبيبنا المصطفى الدرس القرآني جيدا، فلم يحمله غضبه ولا ضيقه بما قيل فيه على قتل من اتهمه بالجور والظلم وإنما اكتفى بإطفاء غضبه ثم بحبس نفسه عن الانتقام لها علما منه بأن الله سبحانه كفيل بحمايته والذود عن سمعته صلى الله عليه وسلم، ألم تسمعوا إلى قوله تعالى:
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
فقل لي بربك أيها المسلم الكريم، هل تعلم في الدنيا كائنا رُفع له ذكرُه في الآفاق مثلَ ما رفع لمحمد؟ هل رأيت حولك رجلا تُرجِم له مثل ما ترجم لمحمد؟ هل تجد عظيما من العظماء أحبه أتباعه مثل ما أَحَبَّ أتباع محمد محمدا؟ هل هناك من يُنادَى باسمه من غير انقطاع طوال أربع وعشرين ساعة على أربعٍ وعشرين ساعة في كل أنحاء المعمور وبلا استثناء؟ فيا أيها الأحبة الأبرار، ما بال أقوام تقلق على محمد وهو منصور من عند ربه لا يستطيع أحد أن ينال منه؟ انظروا إليه صلى الله عليه وسلم كيف هدَّأ من روع أصحابه لما ضاق صدرهم بهجاء قريش له:
أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ، يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ
فبالنا نغضب ممن يستهزئ بمَاهُمِت؟ فمتى كان اسم حبيبنا المصطفى هو هذا لنثور على من يشهر به؟ نعم إن صدورنا تضيق؛ لكنَّ الرد الصواب ليس بالقتل رحمكم الله والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. أيها الإخوة، إن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم لا يحتاج منا لدفاع متهور ولا يروقه إزهاقُ أرواح البشر مهما كانت طبيعتها وذلك لأن الذي يتولى الانتقام له هو رب العزة سبحانه علما بأن الانتقام هو من الصفات التي خص نفسه بها حين قال جل جلاله:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ
وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
فَلاَ تَحْسِبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
هون إذن يا مسلم على نفسك واعلم أن حبيبك صاى الله عليه وسلم ينتظر منك أن تنصره بالتحلي بصفاته وبالتخلق بأخلاقه وبعدم تشويه صورة دينه؛ فلئن كان الذي يدعو الناسَ إلى الخير ويهديهم إليه يجني ما هو خير له من حمر النعم وفي الكبير للطبراني خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ، فكم يكون وزرُ من كان سببا في إبعاد الناس عن هدى الله. أليس إبراهيم الخليل هو الذي قال لأبيه حين رفض أن يؤمن:
لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
أي لا تجعلنا يا الله سببا في فتنة الذين كفروا عن الإيمان بك بل تجاوز عنا وأعنا لأن نكون لهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ولا مغيرين ولا مبدلين. فاللهم إنا نشهدك أننا نحب سيدنا محمدا أكثر من أنفسنا وأبنائنا ووالدينا والناس أجمعين. اللهم إنك تعلم أن تجريح وإهانة شخصية هذا النبي الكريم تحز في أنفسنا ونضيق بها صدرا ولكننا ملتزمون بدينك ماضون في الإيمان بك وبقدرتك فلك وحدك المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بك. اللهم اقطع دابر الظلم من على أرضك وصل اللهم على محمد؛ اللهم انفعنا بمحبته واحشرنا في زمرته ولا تخالف بنا عن سنته ونهجه. اللهم انصر ولي أمرنا اللهم ارفع شأنه كله وأصلح به وعلى يديه ووفقه للخير وأعنه عليه وأقر عينه بولي عهده وشد أزره بصنوه واحفظه في سائر أسرته وشعبه آمينَ آمين وآخر دعاء منا الحمد لله رب العالمين.