Entre la pluie bienfaitrice et celle qui fait des ravages

بين الغيث والمطر

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ولا نحمد أحدا سواه ونشكرهُ جل وعلا شكرا لا ينبغي لأحد غيرِه، ونشهد أنه الله، لا إله إلا هو، لما ذكر أمطار الخير والبركة عبَّر عنها بالغيث فقال:

وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ

أما حين يذكر كثرة الماء النازل من السماء وما يتبعه من سيول وأضرار مادية وبشرية يُعَبِّرُ عنه بالمطر فيقول:

وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا

وقال سبحانه وتعالى في موضع آخر:

وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ

وقال عزوجل في سورة النساء مشيرا إلى معنى الضرر هذا وأن المطر يؤذي:

وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَر

ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله، تحكي عنه أمنا عَائِشَةُ أَنّه صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الْغَيْثَ قَالَ:


اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا

وذلك خشيةً منه أن يتحول إلى مطر مهلك، فعنها أيضا أنه صلى الله عليه وسلم كان إِذَا رَأَى نَاشِئًا فِي أُفُقِ السَّمَاءِ تَرَكَ الْعَمَلَ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ، ثُمَّ يَقُولُ:


اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنْ مُطِرَ، قَالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا

وللشافعي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول:


اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ وَلا سُقْيَا عَذَابٍ وَلا بَلاءٍ وَلا هَدْمٍ وَلا غَرَقٍ، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا

عباد الله، عمت بلادَنا مؤخرا أمطارُ الخير والبركات ولا تزال، ونزل الغيث بفضل الله تعالى فاستبشر الناس خيرا وابتهج الفلاحون أيما ابتهاج. ذلك أن نزول الغيث من أعظم النعم وأجلها فالماء مصدر الحياة! ألم تروا أن اللهُ تبارك وتعالى برر أمرَه للناس بعبادته ووجوب توحيده بنزول الماء فقال:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

فالماء حين ينزل من السماء عادة ما تعود به الحياةُ إلى الأرض فتعم البركةُ ويكثرُ الرزق مما يستوجب منا الحمدَ والشكرَ للذي أنزله سبحانه، عسى أن تدوم نعمته. قال تبارك وتعالى:


وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ

عباد الله، إن من علامات شكر نعمة الماء الحفاظَ عليه من الضياع وعدمَ تبذيره فكونوا يقظين في هذا المجال ولا تنسوا فضل الله عليكم والحمد لله.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، إن من الآيات التي تحث على المحافظة على الماء تلك التي يقول فيها ربنا تعالى:

وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ

فهذه دعوة خفية إلى السعي إلى خزن الماء والاقتصاد فيه. لا يليق أن تغرنا كثرة التساقطات فلا نأبه للاستهلاك المفرط والتضييع غير المسؤول. إن الماء مهما نزل منه فسيبقى دائما هنا أو هناك من هو محتاج إليه؛ فكونوا رحمكم الله ممن يَقْدُرُ الماء حق قدره فلا تستهتروا بوفرته واحذروا انقلابه فَجأة إلى نقمة. لقد رأينا في البداية أن رسول الله كان يتعوذ من شر المطر ويسأل الله أن يجعله صيبا هنيئا أو نافعا وإن أخوف ما يُخاف أن يتحول موسم الأمطار إلى أعاصير وكوارث تتلف الزرع وتهدم البيوت وتذهب بالأرواح تماما كما وقع في أقاليمنا الجنوبية، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل ذلك حدا لبأسه ويرحم كل من غمرتهم المياه فسلبتهم الحياة ثم يكونَ للناجينَ في ضنكهم الذي هم فيه غافرا لهم ما قدموا معوضا إياهم ما ضاع منهم ويجعل حد مصيبتهم في ما وقع. فإنزال المطر ليس بالتأكيد دليلَ رضا الله عن خلقه فقد ينزل إنعاما أو استدراجًا أو رحمة أو عذابا؛ أما نزول الإنعام فيكون في المؤمنين بالقدر الذي يحتاجون إليه فيفطنون لنعمة الله عليهم فيشكرونه بأداء الطاعات وترك المنهيات، ونزول الاستدراج يقع في المذنبين فيظنونه خيرا مما ينسيهم شكر الله فينقلب إلى وبال. أما نزول الرحمة فهو الغيث بعد القحط ونزول العذاب هو الذي يأتي بالهلاك جراء ذنب اقتْرُِف أو معصية كُسِبَت أو ظلم حَصَل، أعاذنا وإياكم منه اللهم اجعل ما أنزلته علينا عونًا لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين. اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة! اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ثبت مسعاه وسدد خطاه واملأ قلبه بنور الإيمان ومنطقه بحق اليقين واجعل يا الله فكره عامرا بذكرك آمين اللهم عجل بشفائه وأقر عينه بصلاح ولي عهده آمين والحمد لله رب العالمين.