الشوق إلى المدينة المنورة
الحمد لله رب العالمين نحمده ونشكرهُ ونستهديه ولا نكفره بل إننا نتوب إليه ونستغفره ونشهد أن لا إله غيره، ذكر سبحانه وتعالى واجب أهل المدينة المنورة خاصة نحو دينه الذي ارتضاه للبشرية جمعاء فقال عز من قائل:
مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله بين فضل هذه المدينة المنورة على سائر البقاع وأن القلوب تهفو إليها كلما زارت أرضَ الحجاز فقال:
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ، كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا، وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ
أما بعد، فيا أيها الإخوة البررة الكرام وقف الناس هذه السنة في عرفات كما وقف الحبيب يوم الجمعة وهذا الحدث ليس استثنائيا في حد ذاته بل يأتي بين الفينة والأخرى وليس له من الفضل إلا أنه يجمع للواقف بعرفة بين الدعاء في هذا اليوم العظيم والدعاء في يوم الجمعة الذي هو عيد المسلمين الأسبوعي فيكون للدعاء حظ أكبر في الاستجابة وكفى بذلك مكرمة وفضلا. عباد الله، حين يتم الحجاج مناسكهم عادة ما تهفو قلوبهم لزيارة الحبيب المصطفى والسلام عليه عند قبره والصلاة في مسجده بغية كسب الأجر الذي وعد به حين قال صلى الله عليه وسلم:
صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
وقال صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود:
مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ
فيا لسعادة من يسر الله له الذهاب إلى هناك ليفوز بهذا الفضل وبشرف رد السلام من طرف خير الأنام. إلا أننا أيها الإخوة نحب هنا ذكر بعض الآداب التي ينبغي أن ترافق الزيارة الميمونة للمدينة النبوية لعل مقبلا على ذلك يأخذ بها فلا يضيع عليه أجرها ولا يقع في أذية صاحبها. قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
إن التزام السكينة والوقار لمن أعظم تلك الآداب فكن رحمك الله حذرا يقظا وقل دائما الحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. من الآداب إذن التي يجب التحلي بها ليس فقط في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو في مواجهة قبره أو عند سماع حديثه الشريف السكينةُ والوقار والحرصُ على الكلام بصوت منخفض وعدمُ اللغو والتعالي والكبر والعملُ الحثيث على إظهار كل معاني الاحترام والتبجيل اللائقين بمقام سيد الوجود الذي رفع الله له ذكره وفضله على سائر الخلق بقوله جل وعلا:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا
ومن الآداب التي يغفل كثير من الناس عنها الامتناع الكلي عن التدخين في مدينة الرسول. ألم يعلم هؤلاء أن الله تعالى نهى عن أذية حبيبه بأي وجه كان فقال تعالى في معرض ذكره صلى الله عليه وسلم:
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
وقال عز من قائل في موضع آخر:
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا
فإن قيل وأين هو الأذى إذا دخنت في المدينة؟ إنما هي فقط سيجارة أكسب بها بعض النشوة وأهدئ بها أعصابي، أجبنا عن ذلك بأمرين هما أن الرسول لا يرضى لأتباعه اقتراف الحرام وإتيان الخبائث ولا أحد اليوم يستطيع القول بأن الدخان ليس منها ثم الأمر الثاني، هل تتصور أن الرسول لا يتأذى مما تتأذى منه الملائكة؟ بلى فهو صلى الله عليه وسلم أولى بذلك وأجدر حين قال:
مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ، وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ
هذا بالنسبة لنبتتين طيبتين حلال فكيف بما هو ضار وخبيث وحرام اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد. ثم هناك آداب أخرى وددت التطرق لها لولا ضيق الوقت نرجئها لمرة أخرى فنختم بالدعاء اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة قو إيماننا ويسر الهدى لنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى سدد خطاه وثبت مسعاه واملأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين واجعل فكره عامرا بذكرك آمين اللهم وأقر عينه بصلاح ولي عهده وطاعة أسرته الشريفة وحب شعبه الأبي آمين وآخر دعاء منا دائما الحمد لله رب العالمين.