A la recherche de la perfection

إن الله كتب الإحسان على كل شيء

الحمد لله رب العالمين نحمده ونشكرهُ ونستهديه ولا نكفره بل إننا نتوب إليه ونستغفره ونشهد أن لا إله غيره، دعا عباده المؤمنين إلى احتراف الإحسان في حياتهم اليومية، فقال جل وعلا:

وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ


وقال سبحانه في موضع آخر:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَ

ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله عرف الإحسان حين سئل عن ماهيته بقوله صلى الله عليه وسلم المشهورِ عنه:

أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ

أما بعد، فيا أيها الإخوة البررة الكرام ما أحوجنا في هذا الزمان الذي ترك فيه الإحسان بشكل رهيب فأصبح الناس لا يراقبون ربهم إلا قليلا، ما أحوجنا، إلى التزامه من جديد! ألا يكفي للاقتناع بذلك أن الله تعالى وعد على هذا الخلق العظيم جنته وزاد عليها رؤية وجهه الكريم، فقال جل جلاله:


لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ

فيا لفرحة المحسنين الذين يحرصون أن تكون كلُّ أعمالهم موافقة لمراد الله لأنهم يعلمون أنه سبحانه ينظر إليهم فمحاسبهم على كل شاذة وفادة فلا تسمح لهم أنفسهم أن يَغُشُّوا ولا أن يُزَوِّرُوا ولا أن يَكْذِبُوا، بل كل همهم في إتقان واجبهم والإتيان به على الوجه الذي يليق غير منقوص وهذا بالذات هو معنى الإحسان الحق. قال صلى الله عليه وسلم:

إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ

فالإحسان عباد الله على حد هذا القول عين الإتقان كما قال سبحانه في سورة النجم مبينا ذلك بوضوح تام:

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى

فالتضاد بين إساءة العمل والإحسان فيه إشارة إلى أن هذا الأخير هو فعل الشيء أو الأمر على أتم وجوهه دون بخس ولا غش، تماما كما قال صلى الله عليه وسلم:

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ

فالإحسان بناء كل واحد منا لحياته بنفسه فلا ينتظر مدح الناس له ليقوم بواجبه ولا يترقب ذمهم ليترك ما لا ينبغي له فعلُه، فهو حريص كل الحرص على إرضاء ربه والحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. كثير من الناس يظن أن الإحسان هو إيتاء المال للفقير والمحتاج وهذا ليس بخطأ وإنما الخطأ في أن تحصِر الإحسان في هذا المعنى فالإحسان تربيةٌ ذاتية يتحول المرء بفضلها إلى مخلوق يبغي الخير في جميع أحواله ولا يمد عينيه إلى الشر وإن عاينه وقدر عليه؛ يحسن في صدقته فلا يَمُنُّ ولا يؤذي ويحسن في عمله فلا يتهاون ولا يتأخر ولا يغش ولا يأخذ رشوة عليه ويحسن في طلبه للعلم فلا يأخذ إلا النافع منه ثم إذا أخذه بلغه بصدق وأمانة ويحسن في عبادته فلا ينقص من الإخلاص فيها ويؤديها كما أمر الله بها بفرائضها وسننها وجميع مستحباتها؛ المحسن عباد الله يجتهد في اختيار ما يتلفظ به من كلام حتى لا يجرح من هم حوله وينصتون إليه؛ المحسن هو الذي يحسن في معاملته مع غيره من الآدميين بل حتى من الحيوان والنبات، فلا يعذب ولا يقتل إلا بحق ولا يحرق ولا يقطع إلا عن علم. وقد وجهنا حبيبنا إلى هذه المعاني فقال:

فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ

وعن النبات قال صلى الله عليه وسلم:

مَا مِنْ مُسْلِمٍ غَرَسَ غَرْسًا فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ

وقال جل وعلا في هذا الصدد:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً

فالإحسان ينبغي أن يتجلى في الأمة بعامة وفي كل شأن من شؤونها بلا استثناء؛ العابد في عبادته والعالم بعلمه والموظف في وظيفته والحاكم في حكومته والقاضي في محكمته والزوج في معاشرته وهلم جرا وهذا أيها الإخوة هو عين التقوى قال تعالى:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ

فاللهم اجعلنا من المحسنين ووفقنا لأن نكون من المتقين اللهم قو إيماننا ويسر الهدى لنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى سدد خطاه وثبت مسعاه واملأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين واجعل فكره عامرا بذكرك آمين اللهم وأقر عينه بصلاح ولي عهده وطاعة أسرته وحب شعبه آمين وآخر دعاء منا دائما الحمد لله رب العالمين.