L’aumône est une preuve de foi

والصدقة برهان

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ونشكرهُ جل وعلا كما يليق بكامل عطائه وكريم آلائه، ونشهد أنه الله لا إله إلا هو، حث عباده المؤمنين على الصدقة والتيسير على المعسر حين لا يجد ما يحرر به رقبته، فقال جل جلاله

وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسُرَةٍ وَأَن تَصَّدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ


ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله، قال لكعب بن عجرة:

الصَّلاةُ قُرْبَانٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يَذْهَبُ الْجَلِيدُ عَلَى الصَّفَا

أما بعد، فيا أيها الإخوة البررة الكرام اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. اخترت في هذه الخطبة أن نقف جميعا مع الصدقة وأهميتها في الدنيا والآخرة، عسى أن يكون ذلك منا تحفيزا لإرساء عقلية الإنفاق في صفوفنا. أجل الصدقة باب للرزق لا ينبغي لنا أن نغلقه وطريق للخير لا يليق بنا أن نتلفه ووسيلة للشفاء من الأسقام ليس من المنطقي أن نضيعها ففي الأثر المتداول قوله:

دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاءِ الدُّعَاءَ

ثم إن الصدقة تُدخل السُّرور والفرح على من ضاقت به السبل واشتد عليه الكرب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:


مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

ويقول أيضا كما عن أبي هريرة رضي الله عنه:

مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ

فاستنزلوا إذن الرزق بالصدقة والعلم بإنفاق ما لديكم منه والعافية باقتسام ما حباكم الله تعالى به منها ولعل هذا النوع الأخير من الصدقة العجيبة هو الذي جعلني أتطرق لهذا الموضوع في هذه الخطبة؛ ففي الأسبوع الماضي انطلقت حملة وطنية للتبرع بالدم وكم هو رائع أن يتصدق الإنسان بجزء من دمه لأن ذلك فيه تيسير عن معسر أو تنفيس عن مكروب أو عون لمحتاج، والأجمل في كل هذا أنك بعملك ذاك تفرج عن من تجهل هويته وتلك هي الصدقة الخفية أو المستورة التي ليس فيها من ولا أذى أبدا والحمد لله رب العالمين.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه.إن أفضل الصدقة تلك التي يخفيها صاحبها وذلك من جهتين. الجهة الأولى لأنها أقرب إلى الإخلاص من المعلَنة، كما قال تعالى:

إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتؤْتُوهَا الفُقَرَاءِ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ

والجهة الثانية لأنها تستر على الذي يأخذها فلا تجعله معرضا للإشارة مما يسبب له الخجل والعنت وإقامتَه مقام الفضيحة بين الناس. فإذا عدنا للكلام عن التصدق بالدم قلنا وأي صدقة أخفى من تلك التي لا يعلم صاحبها إلى من تذهب. تتصدق بنعمة أنعم الله بها عليك فتعتق بها روحا لا تصل إلى معرفتها أو تنفس بها كربة معطوب لا تقدر على المن عليه؛ إنها لعمري عين الصدقة التي تمكن صاحبها من ظل الله يوم القيامة حيث يذكر الحبيب من بين السبعة الذين يفوزون بهذا التكريم الإلهي:

وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ

وعلاوة على التصدق بالدم، اسمحوا لي أن أعرج على صدقة أخرى هي من أعظم الصدقات وأخفاها بل من الصدقات الجارية التي كثيرا ما نغفل عنها لعدم شيوعها بيننا والاستعداد الذهني لها ألا وهي صدقة الأعضاء من كِليةٍ وكبدٍ وجلدٍ وعظمٍ وأيضا قلبٍ ورئتين، بالوصية بذلك لما بعد الممات. ألا إن أعضاء الجسم هذه وغيرها مما لم نذكره من أكثر ما يحبه المرء في حياته حيث لا يستطيع مال تعويضها ولا شراءها فلا شك إذن أن التصدق بها من أعظم القربات وأفضل الزكوات وأبر البر وكيف لا وربنا تبارك وتعالى يقول:

لَن تَنَالُواْ البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ

فَاتَّقُوا اللَّهَ عباد الله مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
اللهم قو إيماننا ويسر الهدى لنا؛ اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ووفقنا للاستعداد التام ليوم لقائك. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى سدد خطاه وثبت مسعاه واملأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين واجعل فكره عامرا بذكرك آمين اللهم وأقر عينه بصلاح ولي عهده وطاعة أسرته وحب شعبه آمين وآخر دعاء منا دائما الحمد لله رب العالمين.