إحصاء السكان والسكنى
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ونشكرهُ جل وعلا كما يليق بكامل عطائه وكريم آلائه ونشهد أنه الله ذكَّر الإنسان بما ينتظره من حساب عسير يوم القيامة، عساه يتخذ لنفسه حرزا يقيه من مغبته ويدفعه لمزاولة عمل الخير الكفيل بضمان نجاته فقال عزوجل
وَلَلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله صح عنه أن الله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي:
يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ
أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام ستجري في الأيام المقبلة إن شاء الله تعالى عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى وهذه المبادرة لا يخفى أنها تحمل في طياتها منافع جمة بموجب ما ستوفره من معطيات علمية تتيح لنا تقييم أداء السياسة العمومية في مجال التنمية وما حققته البلاد من تقدم في المجالات الأخرى. إلا أن من المعلوم من التجربة بالضرورة أن كل عملية إحصاء لا تكون ناجعة إلا إذا كانت نتائجها صحيحة تدل فعلا على واقع المقصود الذي رامت كشفه وإلا بار المجهود الذي من أجله أجريت. ومن ثَمَّ وجب التذكير بالصدق والأمانة اللذين ينبغي للأسر أن تتحلى بهما خلال استقبالها وإجابتها عن أسئلة المؤطرين الباحثين القائمين على إنجاز العملية فالصدق والأمانة خصلتان لا ينفك المؤمن عنهما إلا عرض نفسه لخدش إيمانه فعن أَبِي أُمَامَةَ الباهلي رضي الله عنه قَال، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ
بل أكثر من ذلك إن الذي يكذب أو يخون يوشك أن يحَُوِّلَ نفسه إلا منافق خالص معرض للعذاب فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم قَالَ:
أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا، اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ
فاللهم أجرنا من النفاق وأهله آمينَ آمين، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. إن منهج الشرع يقوم على أن الحكم على العمل يكون تبعا لمقاصده. لذا فنحن لا نشك في أن إحصاء السكان له مقصد عظيم وهدف ديني كبير لما ستسفر نتائجه عنه من معرفة مواطن القوة والضعف في أحوال معيشتنا واقتصادنا وما آل وسيؤول إليه مجتمعنا مما سيخول لنا التخطيط لمستقبل أنفع وتشغيل أنجع وتعليم أمتع. فلنكن إذن في المستوى المطلوب لإنجاح هذه العملية الوطنية الجليلة ولا ننسى أيضا ونحن نُخْضِعُ أنفسنا لمجرياتها أننا في يوم من الأيام سنخضع لإحصاء آخر لا شك أنه أخطر وأجل إذ على نتائجه يقوم جر المرء إما إلى الجنة وإما إلى النار:
يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيُصلَّى سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا
فاحرص أيها المؤمن على أن تجعل من أيامك التي تقضيها في هذه الحياة الدنيا معملا للحسنات ومرتعا للعمل الصالح ولا تستهن أبدا بمعروف مهما كان صغيرا واتق النار ولو بشق تمرة فحبيبك المصطفى يقول لك موجها:
الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ
ألا إن حساب الآخرة شديد ومرير والمجرم يكون فيه في حالة لا يحسد عليها فحري بنا أن نستعد له ونعد له أجوبته ولنتذكر جميعا قول الله تعالى:
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا
اللهم قو إيماننا ويسر الهدى لنا؛ اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ووفقنا للاستعداد التام ليوم لقائك. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى سدد خطاه وثبت مسعاها واملأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين واجعل فكره عامرا بذكرك آمين اللهم وأقر عينه بصلاح ولي عهده وطاعة أسرته وحب شعبه آمين وآخر دعاء منا دائما الحمد لله رب العالمين.