والله غالب على أمره
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى كما ينبغي لجلاله وجهه وعظيم سلطانه ونشكرهُ جل وعلا كما يليق بوافر عطائه وكريم آلائه ونشهد أنه الله أنبأ الإنسان بأنه لن يقع في هذه الدنيا إلا ما قدره هو سبحانه مسبقا فقال:
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله بين أن الإيمان بالقدر داخل في الإيمان بالله تعالى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم
لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ
أما بعد، فيا أيها الإخوة البررة الكرام لا يزال موضوع غزة يشغل بالنا حتى إننا لا نستطيع أن نحيد عنه فنتكلم في غيره. وكيف لنا أن نتركه وأنهار الدم لا تكاد تجف ووابل القنابل لا ينتهي وعدد الشهداء في ارتفاع مستمر ولا حول ولا قوة للعالم أمام ما يقع؟ لكن ليس غرضي اليوم في تحليل ميداني للحاصل فذلك أمر يتولاه الصحفيون والسياسيون ومن ينتسب إليهم. أما نحن فدورنا إيقاع الربط بين الأحداث وما يستفاد منها على صعيد الإيمان بالله فنبحث عن عوامل تبعثنا على تقويته ومراجعة أنفسنا بسبب ما ألم بنا؛ فالمسلم لا يتحسر على ما يقع له من مصائب بقدر ما يستجلب منها الدروس والعبر التي من شأنها تقوية العلاقة التي تربطه بربه. نحن نعرف أن الإنسان عبد مملوك لله عز وجل ونعرف أن المطلوب منه أن يضع عبوديته لله موضع التنفيذ، فيمارسها بالاعتقاد واليقين والسلوك والتطبيق. وإن من أجلى مظاهر العبودية والعبادة دوام الالتجاء إلى المعبود سبحانه بالدعاء على بابه سبحانه. والذي ينبغي فهمه هنا هو أن هذا الدعاء غاية وليس وسيلة فالله لما أمرنا بالدعاء قال:
وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ
فَفَسَّر تعالى الدعاءَ بالعبادة والعبادةَ بالدعاء وهذا معناه أن الإنسان حين يدعو إنما يكون ذلك إعلانا منه عن عجزه وضعفه واحتياجاته إلى الله لا مناسبة للتفاوض معه فالعبد لا يكون ندا لسيده ولا السيد يخضع لشروط عبده والحمد لله أولَ الكلام وآخرَه.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. إننا حين نطرق باب الله بالدعاء وبحكم عبوديتنا له لا نملك أن نشترط عليه أن يستجيب في الحين أو أن نسأله لماذا لا ينصر أهل غزة بتدمير العدو أو بأن يرينا فيه يوما أسودا فهذا دعاء العاجز الذي يحب أن تقضى حوائجه من غير مجهود ولا عناء! إن من أدب الدعاء ألا نطلب إلا ما هو معقولُ الوقوع، فلا يعقل أن نسأل الله أن يجعل عاصمة المغرب هي القاهرة وكذلك لا يعقل أن نطلب من الله تعالى هزم قوم ونحن لم نـأخذ بعد بأسباب التغلب عليه فإذا سألنا لأهل غزة النصر علينا أولا أن نكون في مستوى من تحق له الاستجابة كما قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم لسعدِ رضي الله عنه:
أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ
أين نحن من أكل الحلال أمام ما نراه من استشراء الرشوة والزور والربا وما نلحظه من عدم الانتباه إلى مصادر المال أهي حلال أم حرام حتى أصبح معظم الناس لا يبالون بما يضعونه في أفواه أبناءهم بله أنفسهم؟ ثم إن من آداب الدعاء تفعيلُ جميع إجراءات تحقق المراد وإلا كان مجازفة! كيف نطلب النصر لمظلوم نخذله كيف نريد له النجاة بيد أننا نساند محاصرته؛ إن الله جل جلاله لما ذكر الدعاء قال:
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
فأين هي استجابتنا لتعاليمه سبحانه وأين نحن من الإيمان به؟ أجل هناك مستجيبون لأمره في الأمة؛ بل إن فيها متقين وأولياءَ لله ولكن هذا لا يكفي؛ نحن نحتاج إلى صلاح جماعي وتقوى ظاهرةٍ اجتماعية وصدق ديمقراطي أي متجسد في الأغلبية لا ينعت به فقط بعض الأفراد ولا داعي للإطالة هنا فقد ظهر المعنى فاللهم قو إيماننا ويسر الهدى لنا؛ اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، سدد خطاه وثبت مسعاها واملأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين واجعل فكره عامرا بذكرك وأقر عينه بصلاح ولي عهده وطاعة أسرته وشعبه آمين والحمد لله.