ويستمر العدوان والنصر آت ولو بعد حين
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ونشكرهُ جل وعلا كما يليق بوافر عطائه وكريم آلائه ونشهد أنه الله أذن للمظلوم أن يصرخ في وجه من يظلمه فيقوم للدفاع عن نفسه بكل ما أوتي من حول وقوة فقال عز من قائل:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دِفَاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا
ثم إنه سبحانه وتعالى حدد للمظلوم شروطا خمسة لا بد من أن تتوفر فيه ولديه إن هو أراد فعلا أن ينتصر على ظالمه، فأردف سبحانه قائلا:
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله أخبر عنه أبي بن كعب كما هو في صحيح ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال:
بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالنَّصْرِ وَالسَّنَاءِ وَالتَّمْكِينِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ
أما بعد فيا أيها الإخوة البررة الكرام إن الله تبارك وتعالى إذا وعد لم يكن ليخلف وعده وإنه جل وعلا وعد المسلمين بالنصر المبين على أعدائهم أنى كانوا شريطة أن يلتزموا هم أيضا بنصره ويكونوا قبل ذلك مؤدين حقا لشعائر دينه من صلاة وزكاة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر. عندها تتجلى قوته وعزته سبحانه فيمنح النصر للمؤمنين وإن كانت حالتهم المادية لا تسعف ذلك ظاهريا. أما إذا أخلوا بتلك الشروط جميعها أو بعضها فلا ينبغي لهم أن يضجروا، بل عليهم أن من أنهم هم السبب في ما يقع لهم من خنوع وهزم واندحار تماما كما وقع لأصحابه صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد فنبههم الله تعالى إلى هذا المعنى الدقيق قائلا:
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ
وَفِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تعالى وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير، قَالَ قَتَادَةُ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:
لا يُصِيبُ ابْنَ آدَمَ خَدْشُ عُودٍ وَلا عَثْرَةُ قَدَمٍ وَلا اخْتِلاجُ عِرْقٍ إِلا بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ
فلا حول ولا قوة إلى بالله والله أكبر ولله الحمد والمنة والفضل.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. لعل كثيرا ممن هم معنا الآن يتساءلون عن محل موضوعٍ مثل هذا من الإعراب في آخر جمعة من رمضان إذ كان الأليق تخصيص الخطبة للتذكير بفضل هذه الأيام التي نحن فيها وبواجب زكاة الفطر الذي نحن مقبلون عليه. إن واقع الأمة التي بشرها نبيها بالنصر لم يسعفنا في ذلك ففضلا عما يجري في العراق وسوريا وغيرهما من البلاد من تقتيلٍ للأبرياء وتشريدٍ للعجزة والأطفال والنساء ها نحن نسمع بل نحيا مباشرة ما يقع في غزة المحاصرة أمام صمت رهيب للمجتمع الدولي اللهم بعض المبادرات الفردية التي تأتي تارة وأخرى فإذا بها هي أيضا تحاصر بل تطمس حتى لا يكون لها وقع ولا تأثير إعلامي ولكن عزاءنا في قول ربنا تبارك وتعالى:
وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ
فنحن واثقون بأن الله ناصر للمظلوم وأن الظالم مآله لا محالة إلى زوال وأن إخوتنا في فلسطين سيكسبون الحرية المنشودة ولو بعد حين. ففي جامع الترمذي عن أبي هريرة وقال حسن:
ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ
فلا نبخل على إخوتنا بالدعاء ونحن صائمون ولكن أيضا في حكم المظلوم فذلك أقل ما يمكننا تقديمه لهم اللهم انصر إخواننا في فلسطين اللهم اجمع شملهم واكشف همهم واستر عيبهم ولا تجعل لأعدائهم عليهم من سبيل اللهم عليك بالطغاة الظالمين وكل من يساعدهم في ظلمهم اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، سدد خطاه وثبت مسعاه، اللهم املأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين واجعل فكره عامرا بذكرك آمين والحمد لله رب العالمين.