Anniversaire de la bataille de Badr

ذكرى غزوة بدر

الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى حتى يرضى ونحمده سبحانه إذا رضي ونحمده بعد الرضى والحمد لله على كل حال ونعوذ بالله من حال أهل الضلال. ونشهد أنّه الله الذي لا إله غيره أذن للمؤمنين بالدفاع عن أنفسهم إذا تعرضوا للظلم فقال:

أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، و إن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله


و نشهد أن سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمدا رسول الله أيّده الله بنصره يوم بدر حيث قال:

هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم، إنه عزيز حكيم

عباد الله، تحتفل الأمة الإسلامية في السابع عشر من رمضان بذكرى غزوة بدر الكبرى التي جعلها الله فصلا بين الحق والباطل حيث انتصر فيها المسلمون على قوى الشر آنذاك، ففتحت لهم أبواب تأسيس دولة العدل والحق… دولة الإسلام… الذي ارتضاه الله دينا لعباده وأتم به نعمته:

اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا

نعم أيّها الناس انتصر المسلمون في بدر فانتشر الإسلام بعد ذلك في الآفاق حتى وصلنا غضا طريا لا شائبة فيه، إلا بالنسبة لمن أصر على أن يكون في قلبه مرض. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

والآن أيّها المسلمون وبعد مرور خمسة عشر قرنا على هذا الحدث العظيم، أيليق بنا أن نبقى على ما نحن عليه من إحياء الليالي الساهرة احتفالا بالأمجاد السالفة دون أن نتدبر ولا أن نفهم معانيها؟ ألا إن انهزام المسلمين اليوم، راجع إلى تركهم الاستفادة من التاريخ واكتفائهم بالاحتفال بما فعله الأجداد… إننا نفتخر باختراع الصفر، بينما الذين فهموا المغزى قد اخترعوا الطائرات العملاقة والأقمار الطوافة والآلات الباهرة… نفتخر باكتشاف الأرقام العربية و نتبجه بذلك، بينما الأعداء يصنعون من نفس تلك الأرقام ما لا يخطر ببال، ومع أن الله تعالى ينهانا في سياق بدر عن التبجح والافتخار:

ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورياء الناس ويصـدون عن سبيل الله، والله بما يعملون محيط

وفي هذا الإطار أيّها الإخوة الكرام، دعونا نعيش مع سورة الأنفال ونتطلع إلى بعض ما ورد فيها من نفحات غزوة بدر الكبرى.
إن الله تعالى يريد منا الثبات.. الثبات على المبادئ مهما كانت الظروف وينهانا عن الاستسلام مهما بلغت قوة أعدائنا. قال تعالى:

يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون

ما بال أقوام قد مكنوا الأعداء من رقابهم فأخذوا يعملون على تشتيت الأمة بترويج الأقاويل الكاذبة في الجرائد المتغربة و بث الخرافات العلمانية مبتغين التشكيك في صدق المعجزة الخالدة. قال تعالى في نفس السياق:

وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشـلوا وتذهب ريحـكم واصبروا إن الله مع الصابرين

إن المؤمن الحق عباد الله لا يجنح إلى السلام حتى يجنح العدو إليه ولا يأخذ بهذا الخيار حتى يطلبه العدو منه، قال تعالى:

وإن جـنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم

إن الله تعالى يريد منا عباد الله أن نفهم من غزوة بدر الكبرى وجوب إعداد العدة، ووجوب الأخذ بالأسباب إذا أردنا فعلا أن ندرك الرقي المنشود والنصر المحمود.

وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون

إن العدة المنشودة أيّها الناس، لا تتمثل في شراء العتاد الحربي من العدو، ليتقوى بمدخوله ثم يتم ضرب الإخوان به ! إنما العدة الحقيقية هي أولا وقبل كل شيء عدة إيمانية وروحية، عدة علمية واقتصادية ثم هي عدة أخلاقية قبل أن تكون حربية.
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى سعد بن مالك رضي الله عنه وكان على رأس الجيش فقال له:
أما بعد فإننا ننتصر على أعدائنا بما أكرمنا الله به من تقـوى فإذا استوينا معهم في الذنوب والمعاصي غلبونا بعتادهم. صدقت يا بأمير المؤمنين… ألسنا أيّها الناس قد أصبحت هذه هي حالنا؟ ألسنا قد أصبحنا نمتثل كل أمر يأمرنا به العلمانيون من أعداء أمتنا ؟

يا أيّها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم

وأخيرا و ليس آخرا فإن الله تعالى يعلمنا من خلال غزوة بدر، أن نبقى متشبثين بحبله لا نفتر عن دعائه واللجوء إليه. قال ابن هشام في سياق سرده لأحداث هذه الغزوة: ثم عدّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف و رجع إلى العريش فدخله و معه أبو بكر الصديق، فأخذ يناشد ربه ما وعده من النصر، ويلحُّ في ذلك، حتى سقط عنه رداؤه فقال له أبو بكر رضي الله عنه:هون عليك يا نبي الله فإن الله منجز لك ما وعدك. حتى وهو متيقن بالنصر عليه السلام، لا يفتر عن الدعاء و مناجاة ربه.
اللهم صل عليه وعلى آله… نفعني الله و إياكم بالقرآن الكريم، و بحديث سيد الأولين والآخرين ويرحم الله عبدا قال آمين.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على هذا النبي الكريم، وبعد:
إن غزوة بدر الكبرى تحمل في طيّاتها من المعاني والعبر ما لا يمكن حصره في خطبة كهذه وحسبنا أن نذكر أن الله تعالى سمى يومها يوم الفرقان تماما بالاسم الذي سمى به القرآن. وهذا القرآن نزل في رمضان تماما كما أن هذه الغزوة وقعت في رمضان وهذا ما يدعونا إلى تسمية هذا الشهر الكريم بشهر الفرقان.

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى والفرقان

فمن بركات هذا الشهر العظيم أنه حمل أول انتصار للمسلمين على قريش كما أنه حمل الانتصار النهائي على المشركين يوم فتح مكة. أجل لقد وقع هذا الحدث الكبير في رمضان، إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا في العشرين منه سنة ثمان للهجرة.

لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسـكم ومقصرين لا تخافون، فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا.

إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره، إنه كان توابا.

فحري بنا إذا كما نحتفل بغزوة بدر ونحاول تقصي عظاتها وعبرها،أن نذكر هذا اليوم العظيم من تاريخ الإسلام، يوم الفتح الأكبــر، علنا نجد فيه من المعاني ما ينفعنا في دينـنـــا ودنيانا.

إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
اللهم رد إلينا عزتنا واجعلنا نغير ما بأنفسنا لتغير ما بنا. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وأعنا على اجتنابه.
اللهم كن لنا ولا تكن علينا وكد لنا ولا تكد علينا يا ربنا.
اللهم أيد أمير المؤمنين بالنصر والتوفيق. اللهم كن له وليا ونصيرا، ومعينا وظهيرا، واجعل يا رب ما يقوم به من بر في ميزانك مقبولا. اللهم أسعده بشقيقه الرشيد وارحم والده الفقيد يا ولي يا حميد.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين وأيد اللهم المجاهدين في هذا الشهر العظيم لإعلاء كلمتك و نصرة دينك وتحكيم كتابك واهزم أعدائك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والحمد لله رب العالمين.