وها قد جاء رمضان
الحمد لله رب العالمين نحمده عز وجل كما ينبغي لجلاله وجهه وعظيم سلطانه ونشكرهُ جل وعلا كما يليق بوافر عطائه وكريم آلائه ونشهد أنه الله نوه بالشهر الذي نحن على أبوبه فماضون بإذنه لاستقباله فقال عز من قائل:
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله أَقْبَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ رَمَضَانَ شَهْرٌ افْتَرَضَ اللَّهُ صِيَامَهُ وَإِنِّي سَنَنْتُ لِلْمُسْلِمِينَ قِيَامَهُ فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
أما بعد، فيا أيها الإخوة البررة الكرام ها قد أقبل علينا شهر رمضان ولم يعد يفصلنا عنه إلا يوم أو يومين فهل يا ترى استطعنا التهيؤ له كما ينبغي أم لا وهل نحن مستعدون لاستقباله كما طالبنا بذلك أنفسنا من قبل. لا شك أن كثيرا ممن وفقهم الله قاموا بالواجب المنشود فتدربوا على الصيام والقيام ومختلف أعمال الجود والكرم ففتحوا أمامهم باب الربح على مصراعيه ولا شك أيضا أن هناك من تلكأ في العمل فلا زال واقفا عند نقطة الانطلاق لم يبرحها بعد. فهؤلاء لعلهم مثلي قد أصابهم شيء من الكسل فنقول لهم لا عليكم، لا زالت الفرصة أمامكم فكونوا في موعد شهركم واستقبلوه بتجديد نياتكم وقولوا، اللهم إن هذا رمضان قد أقبل علي وقد تكرمت علي بأن أطلت في عمري حتى كنتُ ممن أدركه فشهده فأعني اللهم على صيام أيامه كما تحب، ووفقني على قيام لياليه كما ترضى، واجعلني اللهم فيه لك من القانتين الطائعين المخلصين الذين يعبدونك حق عبادتك فيفون لك حق الوفاء. إيه عباد الله، ليس هناك أجل محدد للتوبة ولا لمراجعة النفس ما دام المرء لا يزال على قيد الحياة فالأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ
فسارع يرحمك الله إلى الخيرات التي دعاك إليها الله، واعلم أن شهر الخير قد أقبل فلا تضيع فرصةً غالية لربما لن تتاح لك مرة أخرى للعودة إلى ربك والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. أيها الإخوة، حين يقبل شهر رمضان فيحضره المسلم يصومه إذا كان معافى في بدنه، وإذا كان مريضا أو على سفر فله الفطر بشرط أن يصوم أياما في غير رمضان بعدد الأيام التي لم يصمها. أما إذا كان مصابا بمرض عضال لا يرجى برءه أو لا يستطيع معه الصوم بحال أو يخشى على نفسه أن تتفاقم حالته من جراء الصيام، فهذا عليه الفطر واجبا على أن يقدم فدية تعويضا عن عدم صومه ويكون بذلك قد أطاع ربه وليس كما يظن كثير من المرضى أنهم بإفطارهم يخالفون شرع الله مما يجعلهم تحت سطوة سخطه. إن مثل هؤلاء هم في حكم المضطر الذي قال فيه تعالى:
فَمَنُ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
بل أكاد أقول، إن فوق المغفرة والرحمة الموعود بهما في الآية، إن الله سيأجره على ما أقدم عليه من قبول رخصته سبحانه فليقبل المرضى والزمنى إذن على الصدقة والفدية من غير حرج وليكن ذلك منهم إخلاصا لله فلعل فعلهم هذا يبوءهم منازل الصائمين رغم الفطر، خصوصا إذا شفعوه بصوم جارحة اللسان والعين والأذن التي من أجل صيانتها كان صوم البطن والفرج أصلا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
ثم إن هناك ملاحظة أخيرة أحب أن أشير إليها وهي أن لا تدع الاجتهاد في الدعاء طوال رمضان لأن الدعاء مرتبط ارتباطا شديدا بالصيام ..
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
فاللهم قو إيماننا ويسر لنا الهدى، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا يا ربنا من الراشدين. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى اللهم سدد خطاه وثبت مسعاه املأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين واجعل فكره عامرا بذكرك. اللهم وأقر عينه بولي عهده وطاعة أسرته وحب شعبه آمين وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.