رفقا بالأطفال
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ولا نحمد أحدا سواه ونشكرهُ جل وعلا شكرا لا نشكره أحدا غيره ونشهد أنه الله أشار سبحانه في كتابه العزيز إلى مكانة الطفل في نفس البشر فقال:
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله، جاءه شيخٌ يقصده فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فقال صلى الله عليه وسلم:
لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا
أما بعد، فيا أيها الإخوة البررة الكرام مر معنا البارحةَ اليومُ الدولي لمحاربة عمل الأطفال وارتأيت أن أغتنم هذه المناسبة لطرق موضوع الرفق بهذه الشريحة الضعيفة من شرائح المجتمع خصوصا في ظل ما يبلغنا يوميا من سوء معاملتها وما يتعرض إليه صغار السن من ظلم وتقتيل وتشريد في بؤر التوتر العالمية وقسوة وتعذيب نفسي وعضوي في بعض البيوتات من طرف أصحابها نحو الفتيات غير البالغات اللاتي يخدمنهن بغير وجه حق إلا أن الفقر ألجأهن لذلك! إن الطفولة نعمةٌ بين أيدينا سانحة ومِنَّةٌ غادِيةٌ علينا ورائِحة، فمن الواجب علينا رعايتها كما أوصانا بذلك ربنا حين قال:
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ
وبَرَزَتِ العنايةُ بالطفل في سيرةِ نبيِّنا محمّد فكان يُمازِح الصبيان ويُؤاكِل الأيتام ويمسح على رؤوسهم ويقول مشيرا بأصبعيه السبابة والوسطى:
أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ
واستعجَل في صلاتهِ حين سمِع بكاء طفل بل كان يُصلِّي وهو حامِلٌ أُمامة بنتَ زينب أو الحسنَ ابن علي وحين سجَد صلى الله عليه وسلم فركِبَ على ظهره أطال لأجله السجودَ، وحين سُئِل عن ذلك أجاب بإنَّ حفيده ارتحَلَه فكره أن يُعجِلَه حتى يقضي حاجتَه! فهكذا لم تمنعه خشيتُه لربّه ولا وقوفُه بين يديه من ملاطفةِ ومراعاةِ مشاعر الصغار وكيف لا وهو صلى الله عليه وسلم الذي يقول:
رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ
فكيف تُصَوِّغُ لك نفسك أن تحاسب طفلا على شيء فعله بله أن تعاقبه والله تبارك وتعالى أرجأ محاسبته إلى حين أن يكبر فيرشد فلا حول ولا قوة إلا بالله وآخر دعوانا أن الحمد لله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه. عباد الله، كم بينَ جُدرانِ البيوت وأسوار المدارس مِن طفولةٍ مُنتَهَكة وبراءةٍ مُغتالة! كم من مرة نرى الأبَ يصيح ويَصرُخُ في وجه ولده والأمَّ تهدد وتخوف ابنتها والمعلِّمَ يعاتب ويعنف تلميذه الصغير وكأنهم لا يدركون العواقب المُدمِّرة لمثل هذه التصرفات المشينة فإذا بالطفل يمسي مهزوزَ الشَخصيّة مُضطربَ النفسية لا يستطيع الاندماج في محيطه ولا أن يلجَ الحياة على الوجه الذي يليق! إن الله عز وجل يعلمنا كيف يكون التعامل مع الناس عامة بله مع طفل بريء لا حول له ولا قوة ولا يعرف كيف يدافع عن نفسه فيقول عز من قائل:
وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
نحن مطالبون اليوم بلفتِ النظر إلى ما يتعرَّضُ إليه الأطفال من ضغط نفسي وعنف بدني فنغير ما يمكن تغييره تماما كما فعل الحبيب صلى الله عليه وسلم حين رد على رجل أعلن فقط أن له عشرة أولاد لم يُقبل منهم أحدا أبدا فقال له:
أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ
فانظروا عباد الله إلى حس النبي صلى الله عليه وسلم كيف اعتبر الذي لا يُقَبِّلُ ولده منزوع الرحمة فماذا عساه كان يقول في من ضرب وسب ذاك البريء الذي كان ينتظر من أبيه ضمَّةً أو قُبلة فإذا لسعُ اللسان يفجَعُه وبطش اليد يتلقَّفُه، إن مثل هذا الطفل المسكين المعذور لا يستطيع إلا أن يصبح مع مر الأيام عدوانيا محترفا للجريمة ومنحرفا عن السوية خاسرا نفسه بالكلية وحارما مجتمعه من عطائه فيا ليتنا نكون مثل الحبيب صلى الله عليه وسلم حين قال عنه أنس رضي الله عنه:
خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ
الله أكبر، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ولا تنقصنا ولا تجعل يا الله للقسوة بالأطفال سبيلا إلى نفوسنا. اللهم وفق ولي أمرنا اللهم سدد خطاه وثبت مسعاه املأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين واجعل فكره عامرا بذكرك. اللهم وأقر عينه بولي عهده وطاعة أسرته وكل شعبه آمين وصل اللهم على محمد وآله وصحبه أجمعين و الحمد لله رب العالمين.