A l’occasion de la fête du travail

العمل بإخلاص من أعظم القربات

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى إذ لا ينبغي الحمد إلا له ونشكرهُ جل وعلا إذ بشكره يُحَصَّلُ مزيدُه ونشهد أنه الله الذي لا إله غيره، نوه بالعاملين الذين يصبرون في أداء واجبهم فقال عز وجل:

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ


ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله، حث على التفاني في العمل فقال صلى الله عليه وسلم فيما روت عنه عائشة رضي الله عنها:

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ

أما بعد، فيا أيها الإخوة البررة الكرام يومَ أمس أحيا العالم قاطبة ما يُصطلح عليه بعيد الشغل حيث خرج الناس عامةً والعمَّالُ على وجه الخصوص مرددين شعارات تطالب بالزيادة في الأجور وتحسين ظروف العمل وتأمين التقاعد وما إلى ذلك من الامتيازات وهذه كلها تطلعاتٌ مشروعةٌ ينبغي للمسلم أن يجتهد في تحصيلها عسى أن تكون سببا في تحسين ظروف عيشه ولكن أيضا حافزا للرفع من مستوى مردوديته. فالأصل هو توفير توازن معقول بين العامل ورب عمله ليكون الجميع رابحا وإلا وقع ظلمُ فئة على حساب أخرى وضاع حق هذا الطرف أو ذاك وهو أمر لا يرضاه الله تعالى لعباده، ففي الحديث القدسي:

يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا

فلا يليق بالمسلم إذن أن يرهن إتقان عمله بتلك التطلعات التي من أجلها يتظاهر فينطلق إلى حد إشهار ورقة الإضرابات وعرقلة سير المقاولات وإيقاف إنتاج الشركات لأن محركه الأساس في تلك التحركات هو حلمه بالحصول على رضا ربه وإن اقتضى ذلك منه تضحيةً وصبرا، قال تعالى:

قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

فالمسلم الحق هو من يعمل ويخشى أن يكون مقصرا في عمله وليس هو الذي لا يعمل أصلا ثم يطالب بالامتيازات فذلك مورد من موارد الهلاك أعاذنا الله وإياكم منه ولله الحمد والمنة.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه؛ أيها الإخوة البررة الكرام، إن الأصل في العمل أنه عبادة يَتَقَرَّبُ بها الإنسان إلى ربه ويرجو أن ينال بها رضاه فلا غرو أن العمل مثلُ الصلاة والصيام والزكاة. قال تعالى:

وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

فهل يعقل أن يرهن الإنسان صلاته بالحصول على امتياز معين أو صيامه بضمانِ مقابلٍ محدد أو زكاته بحصول شرط مسبق، فكيف تسول له نفسه التوقف عن العمل إن لم يحصل على ما يريد؟ إن الأصل في المطالبة بالحقوق ونزع المظالم ليس باللجوء إلى التهديد والشغب أو إثارة الفتن وإنما بالجلوس على طاولة الحوار والإرادة الثنائية للوصول إلى حل وسط ليس فيه ظلم لأحد! وقبل ذلك إن المطالبة بالحق ونزع الظلم إنما تتم بالجلوس إلى الله تعالى ودعائه بالاستغناء عن الحرام والاكتفاء بالحلال! عجبا فعلا لأناس أصبحوا يطالبون بالرزق مهما كان مصدره، فالمهم عندهم هو الحصول على المبتغى بغض النظر عن الطرق التي أوصلتهم إليه! أليس هذا من صميم قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:

لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ، إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ

فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من التائبين ليتوب علينا فنكون من الفائزين:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ

وقال تعالى في موضع آخر:

وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا

فرغد العيش يحصل باستقامة العبد على صراط ربه وليس أبدا بالتظاهر العشوائي وإثارة الشغب والفتن فاللهم ألهمنا مراشد أمورنا ويسر لجميعنا فهم ديننا. اللهم وفق ولي أمرنا سدد اللهم خطاه وثبت مسعاه واملأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين واجعل فكره عامرا بذكرك اللهم وأقر عينه بصلاح ولي عهده وطاعة أسرته وكل شعبه آمين وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.