حفظ حدود الله
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى إذ لا يحمَدُ أحدٌ سواه ونشكرهُ جل وعلا إذ لا يُشْكَرُ أحدٌ مثلُه ونشهد أنه الله، ذكر لنا الصفات التي تُمكن الإنسان من أن يبيع نفسه له سبحانه فيكون ممن يبشر بالجنة فقال جل شأنه في سورة التوبة:
التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله وصفيُه وخليله ومصطفاه من خلقه أوصانا بالحرص على عدم انتهاك حدود الله فقال صلى الله عليه وسلم في ما رواه الحاكم في مستدركه عنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه:
إِنَّ اللَّهَ حَدَّ حُدُودًا، فَلا تَعْتَدُوهَا وَفَرَضَ لَكُمْ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا وَتَرَكَ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْهُ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا وَلا تَبْحَثُوا فِيهَا
أما بعد، فيا أيها الإخوة البررة الكرام تواعدنا في الأسبوع الماضي على ذكر ما يليق بآخر تلك الخصال التي قلنا إنها ملاكها. فالحرص على المحافظة على حدود الله هي الخصلة الأهم إذ بها تستشعر اقتراف الذنب فتتوب منه وهي التي تجعلك ترضى بقضاء الله فلا تتعداه لفعل الحرام بل تحمده وهي التي تدفعك لإقامة العبادات كلها على الوجه المطلوب وهي التي تحرك فيك حب المعروف والأمر به وكراهية المنكر والنهي عنه. ثم إن المحافظة على حدود الله هي مفتاح الجنة ومغلاق النار حيث يقول تعالى:
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ نُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ نُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
ولعل قائلا يقول هذا أمرٌ قد أُشربناه والله تعالى إنما حصر ذكر حدوده في سياق المواريثِ هذا ثم عند الصيام وعند الطلاق وعند الكفارات فقال تباعا عن هذه الثلاثة الأخيرة:
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا
وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أو فَقَد ظَّلَمَ نَفْسَهُ
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
فهل تقتصر حدود الله المذكورة على تلك الأربعة أم أنها تتجاوزها، فهلا زدتنا توضيحا لمعنى حفظ حدود الله؟ والجواب أيها الإخوة الكرام من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهو ما سنعمل على بيانه بعد قليل ولله تعالى الحمد والفضل على كل نعمة ومنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه؛ أيها الإخوة البررة الكرام، إن الله تبارك وتعالى قال:
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ نُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ نُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول:
إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا عَلَى كَنَفَيِ الصِّرَاطِ دَارَانِ لَهُمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، عَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ، وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ، وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَالْأَبْوَابُ الَّتِي عَلَى كَنَفَيِ الصِّرَاطِ حُدُودُ اللَّهِ، فَلَا يَقَعُ أَحَدٌ فِي حُدُودِ اللَّهِ حَتَّى يُكْشَفَ السِّتْرُ، وَالَّذِي يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبِّهِ
فمن يتدبر هذه النصوص يفهم من غير عناء أن حدود الله هي محارمه وأن حفظها يكمن أساسا في طاعته وطاعة رسوله فلا يلق العبد أمرا من أوامر الله ورسوله إلا نفذه دون تردد ولا نهيا صادرا عنهما إلا وقف عنده بكل حزم فإذا ضعف وتزحزح فانزلق، سارع إلى التوبة والاستغفار مقدما الصدق فيهما. إيه أيها الإخوة إن الذي يتوب صادقا إلى الله ثم يتبع توبته بعمل صالح يمحو سيئته الفارطة يعتبر من الحافظين لحدود الله ما دام عزمه الأول كان في طاعة الله تعالى ورسوله! ألم تسمعوا إلى قوله تعالى:
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
فسماهم الله تعالى عاملين وأدخلهم جناته رغم ما قاموا به من فواحش لأن توبتهم منها كانت فورية وصادقة لا الرضوخ من جديد لمكائد إبليس! فاحرص يا مسلم على أداء صلاتك في وقتها وإقامة الفرائض على وجهها ودع عنك الفواحش واحرص على تجنبها ثم كُفَّ عنك لسانك فذلك أحرى أن يغلبك على أكثرها. اللهم ألهمنا مراشد أمورنا واسترنا بسترك يا ربنا. اللهم اجعلنا من القائمين على حدودك غير المدهنين فيها وأعنا يا ربنا على التوبة النصوح. اللهم وفق أمير المؤمنين سدد اللهم خطاه وثبت مسعاه واملأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين واجعل فكره عامرا بذكرك اللهم وأقر عينه بصلاح ولي عهده وطاعة أسرته وكل شعبه آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.