إياك والخمول واستصغار أوامر الله
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى إذ لا يليق الحمد إلا له ونشكره جل وعلا إذ أفاض علينا من نعمه، ونشهد أنه الله حذرنا من نفسه فقال جل شأنه في ثلاث آيات متفرقات من كتابه:
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله وصفيُه وخليله ومصطفاه من خلقه، كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه:
اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ
أما بعد، فيا أيها الإخوة البررة الكرام ما حكاية هذا التحذير وكيف ينبغي لنا أن نفهمه وماذا يليق بنا أن نباشره حتى لا نقع في مغبة المؤاخذة الربانية وخطر انتقامه تعالى منا؟ إن الله جل شأنه بموجب كونه غفورا حليما، أراد، من خلالِ هذا التحذيرِ من نفسه، قطعَ هواجس التساهل والتأول وذلك من أجل أن يأتي الناس ما شرعه لهم عن صفاءِ سريرةٍ من كل دخل أو حيلة ومعنى هذا الكلام هو إشعارُ المؤمن بضرورة العمل والاجتهاد في الطاعة والإتيان بها على الوجه الذي أريد لها وعدم التعويل على إيمان يُتفوه به باللسان ولا يصدقه عمل على أرض الواقع فالأصل في تعامل العبد مع ربه هو قوله تبارك وتعالى في سورة براءة:
وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
كثير منا حين تعظه أو تذكره بواجب من الواجبات يبادرك بالقول إن الله غفور رحيم وهذا لعمري ما أصدقه من كلام
ولكن فقط حين تضعه في السياق الذي ينبغي أن يوضع فيه وإلا أصبح استخفافا فعن عائشة قَالَتْ
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ:
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ
أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ فقَالَ عليه الصلاة والسلام:
لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ
إن الإنسان لا يدري هل إذا اقترف معصية أو خالف أمرا من أوامر الله أن يأتيه الموت في تلك اللحظة التي يكون فيها متلبسا بالذنب! ما عساه أن يقول لربه ساعتها دفاعا عن نفسه حسبنا الله ونعم الوكيل والحمد الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه من المعلوم أن أَمْلَكَ الْأَعْمَالِ خَوَاتِيمُهَا، فاحرص على أن لا يدركك الموت إلا وأنت في عافية من أمرك مع ربك واحذر أن يباغتك أجلك ولمَّا تستوف عملك؛ لا تأمن مكر الله لأنه لاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ثم حذاري من استدراج الله لك فإنه سبحانه إذا علم منك ما يدل على إصرار منك في الذنب أو نقص مقصود في الطاعة أعرض عنك وتركك تتخبط في حالك حتى تهلك بالمعصية فعن أبي هريرة أن النبي قال فيما يرويه ابن ماجة وغيره:
إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
وهذا مصداق قوله تبارك وتعالى:
وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
ولا يغرنكم حديثُ « شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي » الذي ربما فهم على غير معناه فهذا حديث يفيد المنطق لا غير حيث إنه صلى الله عليه وسلم خص العاصين بشفاعته لأنهم هم من في حاجة إليها أما غيرهم فلا؛ ثم لا ينبغي الاتكال على شفاعته صلى الله عليه وسلم لفتح باب الكبائر والتهوين من شأنها فالله تعالى كما أنه غفور رحيم هو أيضا شديد العقاب لا يرضى لعباده الكفر ولا يقبل منهم الإصرار على المعصية ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال:
إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
وفيه أيضا عن سهل بن سعد رضي الله عنه:
إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا؛ لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَأَقُولُ إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ! فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي
فاللهم ألهمنا الرشد في جميع أعمالنا وقنا السفه والتهور في كافة تحركاتنا واستنتاجاتنا اللهم استرنا واحفظنا من بين أيدينا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن أمامنا ومن خلفنا ومن أن نغتال من تحتنا اللهم وفق ولي أمرنا سدد خطاه وثبت مسعاه واملأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين وفكره يا الله بذكرك اللهم وأقر عينه بصلاح ولي عهده وطاعة أسرته وشعبه آمين وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.