Se garder de faire du tort

لا ضرر ولا ضرار

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى إذ لا يليق الحمد إلا له ونشكره جل وعلا إذ أفاض علينا من نعمه، ونشهد أنه الله حذرنا من مغبة إحداث الأذى جملة وتفصيلا فقال في سورة الأحزاب:

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا

ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله وصفيُه وخليله ومصطفاه من خلقه، أسس لقاعدة عظيمة من قواعد الدين والدنيا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ، شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ

أما بعد، فيا أيها الإخوة البررة الكرام هذا الحديث على قلة ألفاظه وقِصَرِ تركيبته يمكن تطبيقه على كل ميادين الحياة إذ يدخل في كثير من الأحكام الشرعية مما يدل على شمولية القواعد التي جاء بها ديننا الحنيف. وأول ما فيه من المعاني أنه لا يجوز للشخص أن يُضِرَّ بنفسه من جهة ولا بغيره من الناس من جهة أخرى، فالإسلام دينُ الوسطية بامتياز لا يريد لأتباعه أن تسود فيهم الأنانية ولا حبُّ النفس فيطغيا على النظرة المجتمعية التي ما فتئ يدعو إليها حين حث على العمل الجماعي والحرص على التماسك بين المسلمين وعدم التفرقة. قال تعالى:

وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

وفي نفس الوقت الإسلام لا يريد للفرد أن يذوب بالمرة في المجتمع فيفني عمره في خدمته دون أن ينظر إلى مصلحته الخاصة فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو القائل:

إِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا

وهذا المنطق هو الذي سيذهب بنا إلى المعنى الثاني الذي يحمله حديث لا ضرر ولا ضرار. فَنَفْيُ الضرر إنما يقصد به انعدام وجود الحرج فيما شرعه الله لعباده من الأحكام وهذا يعني أن الإسلام يرسخ معانيَ الرحمة والتيسير وعدم تكليف الإنسان ما لا يطيق، فلا يمكن أن تجد في أحكامه أمراً بما فيه مضرّة أو نهياً عن شيء يحقق المصلحة الراجحة مصداقا لقول ربنا عن وظيفة نبيه الكريم:

وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ

فلله الحمد والمنة على هذه النعمة.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه، عباد الله، كان هذا قولنا عن نفي الضرر فما بال نفي الضرار؟ إنه نهي عن إحداث الأذى ثم إلحاقه بالناس أو بالنفس؛ فلا يجوز فعل أي شيء يترتب عليه إضرار بل على الإنسان أن يلتزم بصيانة حقوقه وحقوق غيره على حد سواء تماما كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:

لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ

وهذا مبدأ هو وحده الكفيل بتقليل المنازعات بين الناس، بل بنفيها لينشأ مجتمع يسود فيه الاحترام المتبادل بين أفراده. تخيلوا لو أن كل واحد يروم السطوَ على حق غيره يضع نفسه في مكان ضحيته فيقول معها هل كنت تحبين أن تظلمي بهذه الطريقة؟ حتى إذا أجاب بالنفي امتنع عن كل ما كان خطط له. وكم يذكرني هذا المنطق بما جاء من توجيه عظيم في القرآن:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ
غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا

فإياك أيها المسلم أن تنجرف مع تيار اتباع الهوى بل اجتهد في درء سبل الإضرار بكل أنواعه سواء كان نحوَ نفسك وذلك بمنعها من الحرام أو نحوَ غيرك بكف شرك عنه بدءا بمن تعول كالزوجة والأبناء والخدم فهم أحق بحسن معاملتك ففي المستدرك:

إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا طَلَّقَهَا، وَذَهَبَ بِمَهْرِهَا، وَرَجُلٌ اسْتَعْمَلَ رَجُلا فَذَهَبَ بِأُجْرَتِهِ، وَآخَرُ يَقْتُلُ دَابَّةً عَبَثًا

ثم من يعيش بدائرتك وأولهم الوالدان فإن كانا على قيد الحياة فافن وقتك في برهما ولا تترك الفرصة تمر عليك سدى وإن كان ميتين فافن وقتك في الدعاء لهما ثم انظر إلى من دونهم ثم الأقربُ فالأقرب فاللهم ألهمنا الرشد في جميع أعمالنا وقنا السفه والتهور في كافة تحركاتنا اللهم أدم علينا رداء الصحة والعافية واجعلنا يا ربنا من الراشدين اللهم ارحمنا واهدنا واهد بنا وكن لنا ولا تكن علينا. اللهم وفق ولي أمرنا وسدد خطاه وثبت مسعاه واملأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين وفكره بذكرك آمين وأقر عينه بصلاح ولي عهده والحمد لله رب العالمين.