ضرورة توبة جماعية
الحمد لله نحمده تعالى حمدا يوافي نعمه ونشكره شكرا يكافئ مزيده ونشهد أنه الله، دلنا على حل عظيم لإدراك الفلاح والفوزِ يومَ القيامة فقال عز وجل:
وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبدُه ورسوله لم يفته التنبيهُ على خير التوبة الجماعية فقال كما جاء في سنن ابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا
أما بعد فقد اخترت هذا الموضوع لأننا نحيا أياما صعبة كثر فيها الفساد فاختلط الطيب بالسيئ واحتار فيها الناس بين الحق والباطل فنتج عن ذلك تأخر المطر وضيق أبواب الرزق وشيوع البطالة وقلة فرص الشغل وما إلى ذلك من مظاهر العجز والضنك حتى أخذ اليأس يذب في العقول فما أن تخرج إلى الشوارع الكبرى في البلد إلا وتجد متظاهرين هنا أو معتصمين هناك. أنا شخصيا لا أفهم جدوى الاعتصام ولا فائدة الاحتجاج على النحو الذي نراه ولكني رغم ذلك أستدرك فأقول صدق من قال ما وقع تبذير إلا وكان بجانبه حق ضائع! لا يعقل أن تكون هذه الفوارق التي تجعل ناسا يأكلون ثم يرمون في القمامة ما فضل عليهم وآخرين لا يجدون ما يسدون به الرمق فيضطرون إلى فتح القمامة نفسها علهم يجدون فيها ما يؤكل أو يباع. أين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم:
لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ
لا يعقل أيضا أن تجد في المجتمع المسلم من يراكم الوظائف فيتراكم لديه المال بينما هناك من لا يجد عملا يخرج منه قوت يومه! لا بد إذن من إعادة النظر في نظام توزيع المال ولكن دعوني أقول لكل مصاب إن سبب مصيبته في ذنوبه لأن الذنوب ما حلت في ديار إلا وأهلكتها ولا في قلوب إلا وأعمتها ولا في أجساد إلا وعذبتها ولا في أمة إلا وأذلتها ولا في نفوس إلا وأفسدتها ولا عليكم أن تقرؤوا قوله تعالى لتقتنعوا:
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ
فاللهم فقهنا في ديننا وتب علينا يا تواب والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وآله ومن والاه، إن البلاء الذي نعيشه منشؤه بُعدنا الجماعيُّ عن الله وكثرة ذنوبنا وقلة من ينهى عن المنكر منا وهذا هو مصداق قوله تعالى:
وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
وهذا لا يعني أنني أنفي الصلاح بالمرة من المجتمع وإنما أقول بقلة الصالحين رغم وجودهم وقلة محاربة الفاسدين رغم كثرتهم والواقع أنه غالبا ما تكون الغلبة للأكثر. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه:
مَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنبٍ وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ
فبالك إذا استشرت الذنوب؟ ولهذا نحن محتاجون إلى توبة جماعية بمعنى أن نعترف جميعا بتقصيرنا في جنب الله فنتعاهد على الإيمان الحق الذي لا يساوره شك ولا يترك مجالا لغش ولا لرشوة ولا لمناورة حتى يفضي بنا ذلك إلى حق التقوى التي أولى منازلها هجران الكبائر من كذب وزور وزنى ولواط وسرقة وربا وغيبة وبهتان وشرب لمسكر ولعب بالقمار وما إلى ذلك مما يعلمه الجميع فيتغاضى عنه وكأنه لم يقرأ قط قوله نبارك وتعالى:
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
ألسنا نريد أن يتدفق علينا الرزق فما بالنا نلج طريقا مسدودا للبلوغ ونترك الطريق الذي يؤدي إليه مباشرة حتى إذا لم نصل أي قهرتنا المصائب انطلقنا نشكو؟ عن ثوبان رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ
فهلا أقلعنا عن المعصية وبادرنا إلى التوبة خصوصا وأن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسطها بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها فاللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه آمين اللهم ارحمنا واهدنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم احفظ ولي أمرنا سدد اللهم خطاه وثبت مسعاه واملأ قلبه بالإيمان ومنطقه باليقين وفكره بذكرك واجعلنا وإياه من الراشدين آمين والحمد لله رب العالمين.