ماذا بعد نزؤل المطر؟
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى على كرمه ونشكره جل وعلا على فضله وإنعامه ونشهد أنه الله، نزَّل علينا من فيض رحماته وأوصانا بالمداومة على استغفاره وطلب عفوه ووعدنا على ذلك المزيد من عطائه فقال عز وجل في محكم تنزيله:
لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
ونشهد أن سيدنا محمدا رسولُ الله وصف لنا كرمَ الله تعالى فقال:
إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام إن الله تبارك وتعالى عليم حكيم بيده خزائن الكون لا تنفَدُ ولا تنقضي:
وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ
وإنه سبحانه وتعالى قد تجلى علينا بعطائه خلال الأسبوع الذي نودعه فحبانا بالمطر فاخضرت الأرض وعمّ الغيث وارتوت الأشجار فماذا علينا أن نفعل؟ وكيف علينا أن تصرف؟
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ نُشُرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا
وإن في صرف المطر إلى بعض البلاد وحبسها عن بعض لعبرةً لأولي الأبصار وعظةً للعصاة الفجار ولا يسعنا معشر المؤمنين إلا أن نكون من الفريق الأول لنفوز بالزيادة..
فلا يخفى على أي منا ما يحصل من ضرر بتأخّر نزول الأمطار فإذا ما نزلت فرح الناس واستبشروا ولكن شتان ما بين من يشكر الله على نعمه ويرى في ذلك دلائل رحمته فيهرع إلى حمده وثنائه وبين من سرعان ما ينسى فيتوغل في دركات الجهل ويظن أن إنزال المطر ليس من فعل ربه، فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال:
صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ رسول صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ.. فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ
ألم تسمع إلى قوله تعالى:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
فكون الله تعالى وحده القادر على إنزال الغيث أمرٌ يعتقده كل مسلم بل يعتقده كثيرٌ من المشركين..
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ
فاللهم تجاوز عن عيوبنا ووعِّنا بما أنت أعلم به منا ووفقنا لتدارك كل خطيئة تصدر عنا آمين آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أيها الأحبة إن إنزال المطر ليس بالتأكيد دليلا على رضا الله عن خلقه فالمطر ينزل في كافة الدول مؤمنها وكافرها وربما نزل في دول غير مسلمة يوميًا وعلى مدار العام فالله تعالى يتصرف في ملكه كيف يشاء ويفعل ما يريد..
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ .. يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ
وإنما المطلوب من المسلمين إذا أنعم الله عليهم بنعمة المطر أن يشكروه بالتوبة ويعودوا إليه بالإنابة فلا ينسوا ما هم فيه من النعمة وأن نزول المطر قد يكون بسبب دعوةِ عبد صالح أو عطشِ صبي أو رحمةً بالبهائم فقد قال صلى الله عليه وسلم:
وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا
ولقد علّمنا صلى الله عليه وسلم أدعية وأذكارا منها ما هو متعلق بحسب الحال والمآل وما ذلك إلا ليبقى المسلمون متصلين بربهم ذاكرين وداعين إياه متعلقين به مستغيثين ومناجين له فكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى المطر قال « اللهم صيِّبا نافعا » وعندما يتوقف كان يقول « مُطِرنا بفضل الله ورحمته » وكان إذا خشي منه الضرَر دعا وقال « اللهم حوالينا ولا علينا » فلا ينبغي للمسلم أن تفوته مثل هذه الأدعية والأذكار وأن يعلّمها لأهله وأطفاله فالدعاء عند نزول الغيث مستجاب.. ولا يفوتنا هنا أن ننبه إلى أن الشكر لا يكون بإقامة مائع السهرات وإتباع ما يفعله الكافرون والكافرات في مثل هذه الأيام من آخر الأعوام. جعلنا الله وإياكم من الشاكرين الحامدين المسبحين لله ذاكرين ومهللين. فسبحان مَن خلق فسوى وقدَّر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى. ما أعظمه من إله وما أرحمه من سيد سبقت رحمته غضبه وغلب عفوه عقوبته فسبحانه من رب كريم. أكثروا من شكره وحمده فإنه عز وجل يحبّ الشاكرين.. فاللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.. أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وما أنعمت به علينا فاجعله عونًا لنا على طاعتك. اللهم اغفر لنا الذنوب وكفر عنا السيئات وتجاوز لنا عن الزلات إنك سميع قريب مجيب للدعوات. اللهم احفظ ولي أمرنا بالسبع المثاني والقرآن العظيم اللهم اجعله ذخرا لهذه الأمة يقيم لها دينها ويدعو أهلها إلى طاعة ربها اللهم اجعل قرة عينه في الصلاة واطمئنان قلبه في ذكرك ومنتهى حكمه في تطبيق كتابك وأسعده يا رب بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه. ربنا آتنا في الدنيا وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار آمين والحمد لله رب العالمين.