الاستسقاء
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ونشكره ونشهد ألا إله غيره، رتَّب على التوبة والاستغفار زيادةً في الرزق وسَقياً بالأمطار، فقال بلسان من دعا قومه إلى العزيز الغفار:
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا رسول الله كان يستغفر ربه ويتوب إليه في كل وقت وحين ويقول:
وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً
أيها الأحبة، لقد كثرت في زماننا الذنوب وتنوعت المعاصي وانتشرت السيئات فتأخر بسبب ذلك القطر من السماء! وإنه لبلاء عظيم يصيب به الله عباده ليتذكروا فينيبوا. إيه أيها الناس، إن تنزيل المطر على الأرض لا يكون إلا بحسب مشيئة الله وعلى قدر حاجة الخلق إليه فقد قال الله تبارك وتعالى:
وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ
وهكذا فإنه سبحانه وعز يَقْسِمُ المطر كيف شاء فَيُمْطَرُ قومٌ وَيُحْرَمُ آخرون وربما كان في البحار والقفار بعيدا عن السدود والآبار مصداقا لقوله:
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ
فالله إذن هو الخازن للماء ينزله إذا شاء ويمسكه كذلك ولا يسعنا نحن الفقراء وقد توغلنا في الآثام إلا أن نعود ضارعين فنقف عند باب رب العالمين منكسرين ومستغفرين قبل أن نحدث أنفسنا بطلب الغيث..
قحط الناس في الأندلس أيام أحد الأمراء فأمر قاضيَ البلاد بالبروز إلى الاستسقاء وتأهب لذلك فصام ثلاثة أيام تنفلاً وإنابة ورهبة ثم اجتمع له الناس في مصلى قرب قرطبة بارزين إلى الله تعالى إلا أن القاضي أبطأ حتى غص بهم المكان فخرج نحوهم ماشياً مخبتاً وقام ليخطب فلما رأى الناس في ارتقابه رقت نفسه وغلبته عيناه فاستعبر وبكى حيناً، ثم قال يا أيها الناس سلام عليكم ثم سكت.. ولم يكن ذلك من عادته فنظر الناس بعضهم إلى بعض لا يدرون ما به ولا ما أراد بعبارته فاندفع تالياً لقوله تعالى:
كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا
استغفروا ربكم ثم توبوا إليه وتزلفوا بالعمل الصالح لديه.. فضج الناس بالبكاء وجأروا بالدعاء ومضى على تمام خطبته ففزع الناس بوعظه وأحسوا بالإخلاص لله فلم ينقض النهار حتى أمر الله السماء بماء منهمرٍ ارتووا به وسقوا.. فاللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولا حول ولا قوة إلا بك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. إن هذا الفعل عباد الله لمن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه أنه استسقى عدة مرات منها يوم الجمعة على منبر المدينة في أثناء خطبته وقد دخل رجل إلى المسجد فقال كما يروي ذلك أنس:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا قَالَ أَنَسٌ وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ قَالَ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ قَالَ فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ
فاللهم إننا ندعوك بما دعاك به نبيك وحبيبك محمد فاستجب لنا! اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ. اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيعًا مَرِيئًا طَبَقًا غَدَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ.. لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ. اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخلق من الجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء. اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك. اللهم أيد ولي أمرنا بالسبع المثاني والقرآن العظيم واجعله يا رب من عبادك الصالحين يأتمر بأمرك وينتهي عند نهيك وتحفظ على يديه لهذه الأمة دينها ووحدتها وأمنها. رب اجعلنا من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا وكن لنا يا الله في سرائنا وضرائنا واغفر لنا ذنوبنا إنك غفور رحيم تواب كريم والتزموا رحمكم الله التوبة والتقوى والاستقامة فإنه حري بنا أن نمطر ونحن موقنون عندها بذلك..
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا
صدق الله العظيم وبلغ رسوله المصطفى الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.