أبو بكر (الجزء الأول)
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمدا يوافي نعمه ونشكره جل وعلا شكرا يكافئ مزيده ونشهد أنه الله شهد للصديق بالصحبة وأنزل عليه السكينة ونصر به الدعوة فقال:
إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
ونشهد أن سيدنا محمدا رسولُ الله سُئل عن أحب الناس إليه فقَالَ:
عَائِشَةُ، قِيلَ مِنْ الرِّجَالِ: قَالَ أَبُوهَا
صلى عليك الله يا سيدي يا رسول الله. إننا أيها الناس على موعد مع رجل عظيم ترك بصمته المنيرة على صفحة التاريخ المشرقة. وعادة في مثل هذه الأيام تدور الخطب حول بدر ولكنني اخترت في هذه المرة أن أخص بالذكر بطلا من أبطال هذه الموقعة.. والحق أنه لطالما راودتني نفسي بالكلام عن هذا الرجل الفذ إلا أنني كنت أرد ذلك وأقول من أنا حتى أجرأ على الدخول على سيد الأمة بعد نبيها؟ ولكن الشوق والحب أبيا إلا وها هي ذي الأمنية قد تحققت والفكرة قد اختمرت والخطبة قد اكتملت. إنه أبو بكر صاحبُ النبي المقدَّم وأنيسُ الرسول المفضل، نصره يوم أن خذله الناس وآمن به يوم أن كفر به الناس وصدقه يوم أن كذبه الناس. أفضل صحابة الأمين وإمامهم بدون منازع وسيدهم بلا منافس. جاء علي باكيا يوم أن مات هذا العظيم وهو يقول:
اليوم انقطعت خلافة النبوة، رحمك الله يا أبا بكر.. كنت أول القوم إسلاما وأكملهم إيمانا وأخوفهم لله وأشدهم يقينا وأعظمهم عناءً وأحوطهم على رسول الله وأحدبهم على الإسلام وآمنهم على أصحابه وأحسنهم صُحْبة وأفضلهم مناقب وأكثرهم سوابق وأرفعهم درجة وأشبههم برسول الله هدياً وخُلُقاً وسمتاً وفعلاً
لم يُؤْثر عنه أنه شرب خمرا قط ولم يعرف عنه أنه سجد لصنم قط.. لم يتعامل بربا ولم يكذب ولم يتوانى في نصرته لصاحبه قط. أول من خطب داعيا في المسجد الحرام أيام سيطرة المشركين عليه، فثاروا إليه وضربوه ضربا شديدا حتى ما عُرف أنفه من وجهه وجاء قومه فأجلوهم عنه وهو مغمى عليه لا يتكلم فلما أفاق آخر النهار ماذا قال؟ قال: ما فعل رسول الله؟ هذا هو همه وهذا هو شُغله الذي يشغله حتى عن نفسه! ما فعل رسول الله؟ ثم كان مما قاله: إن لله علي أن لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى آتي رسول الله.. ليطمئن عليه.. فأي تضحية هذه وأي حب هذا وأي إيمان؟ إنه إيمان أبي بكر. وصدق من قال:
لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ مَعَ إِيمَانِ جَمِيعِ الْخَلْقِ لَرَجَحَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبحديث أكرم الأكرمين وجعلني وإياكم من عباده الصالحين آمين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله. كان أبو بكر رضي الله عنه سبَّاقا لإتباع النبي وسببا في دخول كثير من الناس في هذا الدين من أمثال عثمان وطلحةَ والزبير وهو أيضا مَن أعتق زهاء عشرين من الصحابة من قبضة العبودية حتى قال تعالى فيه في معرض الكلام عن أصحاب النار
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى .. وَلَسَوْفَ يَرْضَى
ولما أسُري وعرج بالنبي إلى السماء وتأثر بعض ضعاف المسلمين وُفتِن ذهب أبو جهل إليه يريد زعزعة عقيدته وخدشَ إيمانه إلا أنه وقف أمامه ثابتا وهو يقول « إن كان قال فقد صدق » فاستحق يومها أن يلقب بالصديق. أما عن مواقفه في الهجرة فإنها لا تحصى. فهل أحدثكم عن حبه لمرافقة النبي وإعداده لذلك أم عن تربية أولاده لخدمة الدعوة في تلك الرحلة؟ هل أذَكِّرُكُمْ بفرحته العارمة لما أذن الله لنبيه بالخروج؟ وتُرى هل كانت فرحته هذه لنزهة صيفية أو بالعكس سفر خطير تُبذل فيه الجوائز لمن يأتي برأس محمد! وأثناء الرحلةِ يمشي أمام النبيِّ تارةً ثم خلفه ثم يذهب يمينا ثم يرجع شمالا فيسأله النبي فيقول:
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا تَذَكَّرْتُ الرَّصْدَ تَقَدَّمْتُ وَإِذَا تَذَكَّرْتُ الطَّلَبَ تََأَخَّرْتُ
وقبل ولوج الغار يسبق بالدخول فيتفقده من الحشرات الضارة ويسد الخروق بيديه ورجليه حفاظا على النبي. إنها التضحية من أجل نماء الدعوة وظهورها فأين نحن من كل هذا؟ أين نحن من هذا الفداء الرائع في سبيل هذا الدين؟ أين دورنا مع الدعوة إلى الله؟ وأين دفاعنا عنها وعن من يحملها من دعاة وعلماء والذبُّ عن أعراضهم؟! أم أصبحت رخيصة لا تستحق منا جهدا حتى عاد من الطبيعي أن نقرأ أو نسمع هنا وهناك عن من يستهزأ بها ويحقر أصحابها بل عن من يتجرأ على الله ورسوله ولا يحرك ذلك فينا ساكنا.. بل نرد كل ذلك إلى الديمقراطية وحرية التعبير!! فهلا أبقينا لأنفسنا مجالا لاحترام أنفسنا أو على الأقل مقدساتنا؟!..
وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
اللهم لا فرج إلا فرجك ففرج عنا كل كربة وشدة يا من بيده مفاتيح الفرج واكفنا شر من يريد ضرنا من إنس وجان وادفعه عنا بيدك القوية إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر أمير المؤمنين وأعنه يا رب على إرساء قواعد الدين في هذا البلد الأمين. اللهم أيده في ما يقوم به في رعايته لشعبه والتنفيس على المكروبين من أمته. اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا إنك أنت تواب رحيم. لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمد لله رب العالمين.