Prenez le bon chemin et ne déviez point

استقيموا ولا تطغوا

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حيث سلك بأهل الاستقامةِ سبيلَ السلامة وبوَّأَ المتقين مقعد صدقٍ في دار المقامة. نشهد أنه الله قال مبيِّنا فضل هذا السلوك على صاحبه يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا ندامة:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .. أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ


ونشهد أن سيدنا محمداً رسولُ الله إمامُ أهل دارِ الكرامة وسيدُ أهلِ الفضل والزعامة، دعا في حديثه إلى الحرص على الاستقامة فقال:

اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ

عباد الله إن الاستقامة كلمة جامعة تفيد التَشَبُّثَ بالْحَقّ وَالْقِيَامَ بِالْعَدْلِ وَمُلَازَمَةَ الْمَنْهَجِ الْقَويمِ بِالحفاظ التام على المَأْمُورَات وَالِانْتِهَاء الكليِّ عَنِ الْمَنَاهِي وَهذا كما قال أحد العلماء:
خَطْبٌ عَظِيم لَا يُطِيقهُ إِلَّا مَنْ اِسْتَضَاءَ قَلْبُه بِالْأَنْوَارِ الْقُدْسِيَّة وَتَخَلَّصَ عَنِ الظُّلُمَات الْإِنْسِيَّة وَأَيَّدَهُ اللَّه تَعَالَى بِتَأْيِيدٍ مِنْ عِنْده.. وَقَلِيلٌ مَا هُمْ

وإنها أيها الأحبة لفرصة لا تُعوض للدخول في هذه الزمرة الطيبة وولوج صف هذه القلة القليلة أن سمح الله لنا مرة أخرى بإدراك وصيام شهر رمضـانَ؛ حيث تُكتسب الاستقـامة أكثر وبامتيازٍ وسهولةٍ أكبر في موسم تُغل فيه المردة ويكون الصائم فيه أقربَ ما يكون من ربه الرحمان..

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِيَ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ

فما عليك أيها المؤمن الكريم وأنت صائم لربك الرحيم وتحب أن تبلغ درجة التقوى التي وعدها إياك إلا أن تلزم الدعاء فتقف عند عتبته فقد قال  فيما يرويه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه:

ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ.. الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ.. وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ

فَاسْتَقِمْ أيها الصائمُ .. كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ
اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ.

الاستقامة بهذا المعنى تكمن في ترك خصلتين وفعل ثلاثة.
في ترك الطغيان بالبعد عن مواضع الشبه وموارد الفتن ونبذ مرافقة أهل السوء والركونِ إليهم لأنهم حتما يدعون إلى النار، علما بأن الله تعالى هو الرقيب العليم.. ثم في ملازمة ذكر الله والمصابرة وفي إقامة الصلاة أثناء الليل وأطراف النهار.

وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

نفعني الله وإياكم بآي وسور القرآن وبحديث الشفيع العدنان وجعلني وإياكم من عباد الكريم المنان.

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد فلا نستطيع أيها الإخوة أن ننفي أن الاستقامة شاقةٌ تحتاج إلى مراقبةِ النفس وملاحظتها حتى لا تتأثر بالأهواء فتتعارض مع ما تريد لها من الاهتداء. يقول سيدنا عمر رضي الله عنه:

الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تراوغ روغان الثعلب

والمراد أن يتشبث المرء بالاستقامة على صراط الله ثم يطلب السداد والتوفيق من ربه. فإن لم يقدر فعلى الأقل أن يجتهد في المقاربة دون أن يُغفل الاستغفار لأن التقصير كما هو معلوم من ميزات البشر لا محالة..

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ
ذلك أن الاستغفار هو الذي يَجْبُرُ النقص البشري ويسدد قصور ابن آدم. روى الإمام الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ

هذا أيها الصائمون الطيبون لمن أراد لنفسه الأمن والأمان والفوزَ المبين والمُقامَ الأمين في جنة رب العالمين..

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ .. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ .. نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ

اللهم انفعنا بالقرآن واملأ قلوبنا بالإيمان واجعلنا يا ربنا من عتقاءك في العشر الأواخر من شهر رمضان.
اللهم إن هؤلاء عبيدك جاءوك صائمين وقصدوك طائعين يرجون رحمتك ويخشون عذابك مشرئبة أعناقهم إلى رحمتك متطلعة أنفسهم إلى مغفرتك. اللهم لا تخرج أحدا منهم من هذا المسجد العظيم في ساعة الإجابة هذه إلا وقد غفرت له ذنبه وسترت له عيبه وتجاوزت له عن زلته وآتيته من لدنك رحمة.
اللهم أدخلنا الجنة برحمتك ونجنا من النار بعفوك أنت القوي ونحن الضعفاء وأنت الغني ونحن الفقراء افتقرنا إليك ولذنا بباك فلا تردنا خائبين ولا عن رحمتك مطرودين.
اللهم انصر أمير المؤمنين واحفظه يا رب بالسبع المثاني كما حفظت الذكر الحكيم والقرآن العظيم. اللهم سدد خطاه وثبت مسعاه فيما تحبه وترضاه. اللهم اجعل له من أمره يسرا ولمن يكيد له عسرا وتعسيرا وكن لنا وله حجابا وسترا.
اللهم ربنا اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياءِ منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب للدعوات آمين، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.