ليس من الصائمين
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى أن جعل صيام رمضانَ من أركان الإسلام ودعانا فيه للإمساك عن الشراب والطعام، ونشهد أنه الله الملك القدوس السلام جعل من هذا الشهر سبيلا لبلوغ التقوى فقال:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
ونشهد أن سيدنا محمدا رسولُ الله بَيَّن المغزى من الصيام لله والإمساك عن المفطرات في رمضان فقال:
مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
أما بعد فيا أيها الأحباب لقد حل بناديكم شهرٌ عظيم ونزل بواديكم ضيف كريم تعبدكم الله في أيامه بالإمساك عن الشهوات وندبكم في لياليه إلى تلاوة القرآن والإكثار من الصلوات. والصيام والقيام شعيرتان عظيمتان تهدفان إلى تربية النفس وتقوية الروابط بين المسلمين بتنمية نوازع الخير فيهم وتطهير المجتمع من شرور الانحراف والعصيان. ولا يُدْرَكُ هذا المقام إلا بالصيام.. صيامٍ من نوع خاص.. هو الصيام الذي يقيك من الوقوع في الذنوب ويمنعك من التمادي في العيوب ويعمل على إعدادك لمراقبة علام الغيوب.
فليس من الصائمين حقا من يسترق النظرات المحرمة ويطلق عينه على فتن الشوارع المختلطة المزدحمة.
ليس من الصائمين حقا من يُرهف سمعه للغيبة والنميمة والبهتان أو يبعث أذنه يلتقط بها أخبار وأسرار إخوانه من بني الإنسان.
ليس من الصائمين حقا من يطلق لسانه للنهش في أعراض المسلمين أو يعمل على تسخيره في السب واللعن وانتهاك حرمات المؤمنين.
ليس من الصائمين حقا من يمد يده إلى اقتراف المعاصي وكسب الآثام والسيئات أو يستعملها في الاعتداء على حقوق المواطنين والمواطنات.
ليس من الصائمين حقا من ينقل خطواته على معابر المخالفات أو يستخدم رجله في اقتناص الموبقات.
ليس من الصائمين حقا من يحرص على ملئ بطنه وجوفه بالمحرمات ويتعمد أن يتناول ما اشتبه من أصناف المطعومات.
ثم ليس من الصائمين حقا من لا يراقب الله في فرجه فتراه يعتدي على الأعراض وينتهك المنهيات.
ألا إن صيانة النفس من الذنوب والعمل على مراقبة علام الغيوب وملءَ الساعات بما ينور القلوب من غايات الصيام وأهداف القيام وإلا فليس ترك المطعوم والمشروب هو المقصود ولا والرجاء المطلوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:
رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ
نفعني الله وإياكم بآيات القرآن وبحديث نبينا محمد النبي العدنان وجعلني وإياكم حقا في زمرة المتقين من أهل الصيام والقيام.
الحمد لله الذي عمَّ سائرَ العباد نوالُه وغَمَرَ جميعَ المخلوقاتِ خيرُه والصلاة والسلام على حبيبنا محمد أحسنِ من صدقت أقواله وخيرِ من زكت أعماله. عباد الله، من كان منكم يتوق فعلا إلى الحصول على رضوان الله تعالى فها هي أبوابُ رحماته سبحانه قد تفتحت ومعابرُ شاطئ السلامة قد تيسرت فأيقِظوا أنفسكم وتداركوا ما فاتكم إذ في شهر رمضان يجمل الإحسان ويحلو ذكر الرحمن وتعذب تلاوة القرآن..
فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
واحرصوا رحمكم الله في هذا الشهر الكريم وفي غيره من الشهور على نشر العلم والذهاب إلى بيوت الله وذكر من عضتهم الأيام وتلاعبت بهم رياح الزمان واعلموا أن الصيام يشفع لصاحبه عند الملك الديان فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا
وأكثروا إخواني أخواتي من الصلاة والسلام على من نرجو شفاعتَه يوم يقوم الأشهاد للكريم المنان. اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد خير
من صام، وأفضلَ من قام، وعلى آله الكرام، وأصحابه العظام، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيام.
اللهم يا من يسمع النداء ويجيب الدعاء ويقبل الرجاء نسألك سؤال عبد مضطر أعجزه إدراك مطالبه وتعذرت عليه وجوه مآربه وأُغْلِقَتْ في وجهه الأبواب وتَعَسَّرَتْ عليه الأسباب فالتجأ إليك وطمع فيما لديك، ففتحت له الباب وأقبلت عليه إقبال الأحباب وفرجت عنه ما أحاط به من كَرْبٍ ونفست عنه ما أحدق به من خَطْبٍ فَحَقِّقْ لنا سؤلنا كما حققت له سؤله وبلغنا مأمولنا كما بلغته مأموله وفرج عنا كروبنا كما فرجت عنه كروبه ونفس عنا خطوبنا كما نفست عنه خطوبه يا من لا يمقت المترددين ولا ينهر السائلين. وانصر اللهم أمير المؤمنين نصرا عزيزا تعز به الدين وترفع به راية المسلمين واحفظه اللهم في ولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه.
ربنا إياك سألنا ولإحسانك تعرضنا فأقبل اللهم بوجهك علينا واغمرنا برحمتك واشملنا بعفوك فلا رب لنا سواك ولا راحم لنا غيرك وصلى الله وسلم وبارك على محمد.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.