إياك والحسد
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حيث لا يُحمد إلا هو، أهلُ المغفرة والتقوى وأهلُ الثناء والرضا.. خيرُ من دعي فأجاب وأكرمُ من سئل فأعطى. نشهد أنه الله، لا إله إلا هو، ذم أقواما حسدوا غيرهم فقال:
وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَـانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ
ونشهد أن سيدنا محمدا رسولُ الله خيرُ نبيٍّ أرسل وأكرمُ رسولٍ بُعث أخبر عن بعض آثار الحسد فقال:
إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ
أما بعد، فإن من كمال إيمان العبد أن يحب لأخيه المؤمن ما يحبه لنفسه ويكره له ما يكرهه لنفسه فقد روى الإمام البخاريُّ عَنْ أَنَس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
وبحكم هذا الحديث وكونك مؤمنا أيها الأخ المسلم الكريم فإنك تحب لكل إخوانك الاستقامة على الإيمان وتكره لهم الكفر والفسوق والعصيان لأن إيمانك يملي عليك أن تحب لهم كل ما تحبه لنفسك.. فتحب لهم الصحة والعافية وتحب لهم الخير والرزق الحلال وتحب لهم راحة النفس وقرة العين. ذلك هو كمال الإيمان المنشود في الحديث.
وفي مقابل هذا الخلق الكريم، خلق ذميم يسمى الحسد. والحسدُ هو أن تتمنى زوال النعمة عن غيرك لأنك تغارُ منه.. تتمنى زوال النعمة عنه سواءً أردتها لنفسك أم لا.. تماما كالذي يتمنى لغيره المرض لأنه معافى أو الفقر لأنه غني أو الهم لأنه مرتاح أو الوقوع في الخطأ لأنه تقي.. يفرح بكل مصيبة تنزل بأخيه ممثلا في ذلك فعل إبليس اللعين مع أبينا آدم لما خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأمر ملائكته بالسجود له، قال:
أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
هناك من البشر ويا للأسف الشديد من يحسُد كل ذي نعمة فيتمنى زوالها عنه ولا يدري أن الله تبارك وتعالى هو الذي قسمها له:
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَـاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ
فالحسد إذن ليس من أخلاق أهل الإيمان ولكنه من أخلاق أعداء الله وعلى كل مسلم أن يترفع عن ذلك. نعم لا ننفي أنه مغروس في النفوس ولكن المسلم يدفعه بالرضا عن الله والاعتقاد الجازم أن الله حكيم عليم في عطائه ومنعه وأنه حكيم عليم في قسم أرزاق عباده حيث جعل منهم الغني والفقير ومنهم العالم والجاهل والتابع والمتبوع إلى غير ذلك من قسمته العادلةِ بين خلقه..
لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـأَلُونَ
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبحديث سيد الأولين والآخرين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين ورحم الله عبدا قال آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله نحمده تعالى حمداً كثيراً كما يحب ويرضى ونصلي ونسلم على شفيع الورى حبيبنا محمد نبي الهدى. أخي المسلم إن عدوك إبليس قد يوغر صدرك فيزين لك كراهية النعمةِ لأخيك المسلم فاحذر مكائده، وإذا رأيت نعمة من الله على غيرك فاسأل ربك من فضله وكرمه وإياك والحسد فإن سيدنا محمدا ينهاك عنه فيقول:
إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا
لماذا لأن الحسد بغيٌ وظلمٌ والحاسدُ شيطانٌ أُمِرْنَا بالتعوذ منه تماما كما نتعوذ من إبليس اللعين..
قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ .. مِن شَرّ مَا خَلَقَ .. وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرّ النَّفَّـاثَـاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ
فلا تقل أيها الحبيب لماذا فُضل هذا علي؟ أو لماذا هو أغنى مني؟ أو لماذا هو محبوب لدى الناس؟ أو لماذا اختير للمسؤولية من دوني؟ هذا وأنت تظن خاطئا آثما أنه لا يستحق ذلك، قال تعالى منكرا على من يتصرف هذا التصرف المشين:
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ
فيا أيها المسلم الكريم إن الحسد يدعوك إلى العداوة وإلى البغي وإلى الظلم.. والحاسدُ لا يزال في غيه حتى يبغي على أخيه فيفتري عليه أقوالاً باطلة ويلفق به تهماً سيئة.. يسعى في إلحاق الأذى به فيسبه ويهتك عرضه ويفرح بمن يُشينه ويقول فيه ما ليس فيه بينما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو الصادق:
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ
أسأل الله تعالى لي ولكم قلباً سليماً ولساناً صادقاً ودينا قيما وعافية من دون بلية. اللهم قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم إن الحسد خصلة ذميمة وقد ألمت بنا فانزعها منا. اللهم اغسل قلوبنا من خطاياها كما يُغسل الثوب الأبيض من الدنس. اللهم ارزقنا العفاف والكفاف والغنى الناس. اللهم زهد قلوبنا في ما عند الناس واجعلنا يا ربنا راضين مرضيين نرضى بقضائك ونؤمن بقدرك ونقبل ما كتبته لنا عملا بقولك وقولُك الحق:
مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ .. لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
اللهم وفق وانصر ولي أمرنا الملك سيدي محمد السادس حامي حمى الملة والدين في هذا البلد الأمين نصرا عزيزا مؤزرا تعز به الدين وترفع به معنويات عبادك المسلمين وتعلي به راية من يوحدك إلى يوم الدين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.