رجب مضر
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ونشكره، أغدق علينا نعمه وأرسل إلينا رسله وهدانا إلى صراط مستقيم ونشهد
أنه الله، لا إله إلا هو خلق الزمان والمكان وقدرهما فقال:
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ
ونشهد أن سيدنا محمدا رسولُ الله أشار إلى هذا المعنى حين قال:
إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ
عباد الله، ينبغي لكل من يحرص على استباق الخير أن يبحث عن الأوقات المميَّزة بخصائص معينة فيغتنمها. فكما أنه سبحناه وتعالى فضَّل الإنسان على سائر المخلوقات والأنبياءَ على سائر البشر والبيت الحرام على غيره من الأمكنة فقد فضَّل بعض الأزمنة على أخرى..
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
وهكذا فضَّل اللهُ تعالى من الليل ثلثه الأخير يتجلى فيه على عباده ويناديهم من السماء الدنيا فيقول:
هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ؟
فيا لها من مزية لمن اغتنمها فعلا..
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
وهكذا أيها المؤمنون، فضَّل الله كذلك من أيَّام الأسبوع يومَ الجمعة ومن أيَّام السنة أيام عشر ذي الحجة وعلى رأسها يومَ عرفة. أما عن الشهور فقد فضَّل الله تبارك وتعالى على الإطلاق شهر رمضان إذ أنزل فيه القرآن وفرض فيه الصيام وسن فيه القيام واستحب فيه الإكثار من العمل الصالح. ثم ميَّز بعد رمضان الأشهر الحرم بأن أنزل فيها الآية التي صدَّرنا بها الخطبة وأمَرَنا أن لا نظلم فيهن أنفسنا وإن رجب هذا، الذي نحن فيه لمنها.. حرَّمه الله تعالى في وسط الحول من غير أشهر الحج لأجل زيارة البيت والاعتمار به.. وإنما سمي برجب وذلك من الترجيب وهو التعظيم لأجل أن يتخذه الناس مناسبة لفعل الخير والابتعاد عن الشر تدريبا وترويضا. قال قتادة:
إن الله اصطفى صفايا من خلقه اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، ومن الشهور رمضان والأشهرَ الحرم، ومن الأيام يومَ الجمعة، ومن الليالي ليلةَ القدر فعظموا ما عظم الله
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبحديث سيد الأولين والآخرين ويرحم الله عبدا قال آمين.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بُعث رحمة للعالمين و بعد، أيُّها الناس: إذا كان الله سبحانه وتعالى قد ميَّز بعض الأوقات وحثَّ على العمل فيها بالطاعات وترك المنهيات فإنما فعل ذلك لِيُحَفِّزَنَا. فهذه الشهور وهذه الأيام وهذه الساعات إنما هي تدريبات وامتحانات يجتازها المسلم فيخرج منها متعودا على الخير والقيم الفاضلة، منتهيا عن الشر والوساوس الكاذبة. ليس الهدف منها أن يجتهد فيها المرء ثم يعود إلى ما كان عليه من الزيغ والزلل بمجرد انقضائها كالذي يقوم ليلة القدر مثلا ثم يقول: « تكفيني عبادةَ ألف الشهر » أو « لقد أعطيت التسبيق ولا بأس من الراحة الآن » كلا ليس هذا هو الهدف ولا المغزى وإنما يريد الله منا الكد والاجتهاد في كل وقت وحين بغض النظر عن الشهور والسنين ولذلك نوه سبحانه بالمجتهدين فقال عز من قائل:
مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ .. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ
ومقابل ذلك قال للكسالى المماطلين:
مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
ولاحظوا معي رحمكم الله أنه تعالى في الآيتين معا لم يخصص لا شهرا ولا يوما ولا ساعة بالذكر.
اللهم صل على محمد
اللهم إنا نسألك الرشاد والتقى والفوز بالجنة. اللهم حبّب إلينا ولسائر المسلمين العمل الدءوب والمسارعة إلى الخير واكتبنا يا ربنا في عداد الصالحين. اللهم أيد ولي أمرنا بفتحك وأعنه يا رب على إعلاء كلمتك ونصرة دينك والسير ببلدك هذا نحو الخير والرخاء وتعظيم حرماتك. اللهم انصر كل من نصر الدين واخذل من خذل الإسلام والمسلمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.