كيف السبيل لإدراك محبة الله تعالى؟
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ونشكره ونعوذ به من شر ما يُغْضِبُه ونشهد ألا إله غَيْرُه، ندب الإنسان إلى عدم الاغترار بالدنيا فقال:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ
ونشهد أن سيدنا محمدا رسولُ الله حَذَّرَ من هذا الغرور المُهلكِ فقال:
إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ أَلَا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا
عبادَ الله، إن صُورَ الغرور بالدنيا كثيرة ومتنوعة فهذا يُفرد عشيقته بحبه وذاك يحصِر لبه في المستلبةِ فؤادَه وآخرُ مفتونٌ بماله وولدِه ومن الناس من هو مغرورٌ بملكه وسلطانه أو تائهٌ بين حرثه ونسله، والحقيقة أن هذه الصورَ لا تكاد تخرج عن حيز أنواع شهوات الدنيا الفانية:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ
ويبلغ هذا الغرور ذِروته حين يتخذ المرءُ آلهةً من دون الله كقوله تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ
فهم في غرور وتَيْهٍ وضلال، لا يعلم مداه إلا الله.. أما المؤمن فمنهمك فيما يرضي ربه تبارك وتعالى :
وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ
فهو وإن كان يميل إلى ما أحل الله من شهوات الدنيا، مقتصد في حبه لها وأشد حبا لله منها، مما يُخَوِّلُ له الفوز بالمكانة العليا والمنزلة العظمى، فعن أنسِ بنِ مالك رضي الله عنه:
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.. قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ
فاللهم إنا نشهدك ونشهد ملائكتك وحملةَ عرشك أننا نحبك ونحب نبيك فاكتبنا في المحبين ولا تردنا خائبين ولا عن رحمتك مطرودين.
هذه المحبة أيها الإخوة هي قُوتُ القلوب وغِذاء الأرواح وقرة العيون فيا من تبحث عن حلاوة الإيمان إنك لن تجد طَعمه حتى تُؤْثِرَ الله بحبك على نفسك فعَنْ أَنَسٍ أيضا:
ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ
فيا من تحب الله ورسوله وتريد أن تكون من المحبين الصادقين شَمِّرْ على ساعد الجد وقل لنفسك لا بد من أن تجتهدي لإدراك هذا المقام!
كفاك تواكلا على أعمال هزيلة تقوم بها وكفاك غرورا بالدنيا فقد آذنك الرحيل.. فلا تكن من الغافلين!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم واشكروه يزدكم والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين يا رب ارحم ضعفنا وتول أمرنا واقبل توبتنا ولا تخيب فيك رجاءنا. أيها المسلمون ليست محبة الله دعوى تجوز على كل لسان أو أمنية يوصف بها كل إنسان وإن كان فضلُ اللهِ واسعا لا يستطيع أحدٌ الحد منه، إلا أنه لا بد من أن يصدق العمل ذلك، وإن من براهين محبة الله الصادقة اتباع شرعِه وطاعةُ رسولِه.. قال تعالى:
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
وهذه الآية كما قال ابن كثير تحكم على كل من ادَّعى محبة الله وليس على طريقة محمد أنه كاذب في دعواه! ثم إن من براهين محبة الله أن يكون المرء متواضعا لإخوانه متذللا لأقربائه رحيما بهم مجاهدا في ذلك لا يتوانى، فقد قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ
ثم إن محبة الشيء تستوجب من المحب الدفاع عنه والدعوة إليه إذ كيف يُستساغ أن يدَّعي المرء محبة الله وهو يدعو إلى الشر ويحارب الخير وأهله! فكن يا أخا الإيمان داعيا إلى لخير فإن لم تجد فأحبه حيث يحبه الله فإن لم تستطع فعلى الأقل تمنَّ اللحاق بأهله فالمرء لا محالة مع من أحب. اللهم أقبل علينا بنورك حتى نعلم ألا باطن إلا أنت وأقبل علينا بلطفك حتى نعلم ألا حاجب إلا أنت وأقبل علينا بحلمك حتى نعلم ألا قادر إلا أنت وأقبل علينا ببسطك حتى نعلم ألا قابض إلا أنت وأقبل علينا بعطائك حتى نعلم ألا مانع إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام. اللهم عرفنا نعمك بدوامها ولا تعرفنا إياها بزوالها وأدم اللهم علينا نعمة الإيمان وروح الإسلام واجعلنا يا ربنا لك من الشاكرين. اللهم انصر ولي أمرنا وكن له يا رب وليا ونصيرا ومعينا وظهيرا واجعله للحق ناصرا وللكتاب مطبقا وللسنة متبعا.
اللهم إنا نسألك إيمانا دائما وقلبا خاشعا ولسانا ذاكرا وجسما سليما معافى واغفر لنا وارحمنا وارحم والدينا وارحم موتانا وارحم من علمنا وكلَّ من له الحق علينا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأعل كلمتي الحق والدين وانصر مجاهدة المجاهدين وخصوصا منهم إخوتنا في فلسطين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.