فضل الاستعانة بالله تعالى
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ونشكره ونشهد أنه اللهُ الذي لا إله غيره جعل الاستعـانةَ به واللجوءَ إليه سبحانه زادا للمسلم فقال مبينا ما ينبغي أن تكونَ عليه حالُه:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
ونشهد أن سيدنا محمداً رسولُ الله دعا إلى الاستعانةِ بالله فقال:
اسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ
عباد الله إن من أكثر ما يَغْفَلُ عنه الإنسان أن يستعين بربه في أحواله كلِّها، فتراه يؤرق نفسه في اتخاذ الأسباب ناسيا مسبِّبَها ويُعَوِّلُ على جُهْدِهِ القليل مُغفِلا من يبارك له فيه والواقع كما هو معلوم أن اتخاذ الأسباب واجب للوصول إلى نتيجة إلا أن الاعتماد عليها كُفْرٌ والعياذ بالله فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ:
يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظ اللَّهَ يَحْفَظْكَ.. احْفَظ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ.. إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ
إنك أيها الإنسان عبدٌ مملوكٌ للهِ مطالَبٌ بوضعِ عبوديتِك له سبحانه موضعَ التنفيذ. وإن من أَجَلِّ مظاهرِ هذه العبودية دَوَامُ التجائك إليه تعالى وتكرارُ دعائك ببابه سبحانه وإعلانُ عجزِك الدائمِ له والاعتراف بضُعفِك المتواصلِ عنده. ولا يوقفن أحد دعاءه على الاستجابة فإنْ لم تظهر تمرد وأَعرض!.. لأنك أيها الحبيب لا تملك عند طرق بابِ الله أن تشترط عليه لأنك لستَ في موقع النِّدِّ وإنما أنت عبد ومهمتك أن تُعلن عن حاجتك وتقف على بابه ذليلاً منكسراً سواءً استجاب لك أم لا فتح لك الأبواب أم أغلقها حقق لك الآمال أم لم يحققها.
وظيفتك أن تظل ملتصقاً ببابه مترامياً على أعتابه لأنه ليس لك خيار وحتى لو كان كذلك فإلى أي باب غير بابه تذهب؟ فلا يسعك إذن إلا أن تقول في السجود كما كان يفعل صاحب الكرم والجود الذي يسر الله به كل عقبة كئود:
أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ
ثم إنه لا ينبغي لك أيها الأخ المسلم الكريم أن تستعجل الأمور فمن ذا الذي قال لك إن الله لم يستجب؟ لقد استجاب فعلا لدعائك وليس ضروريا أن تجد علاماتٍ لتتيقن من ذلك. ثم عباد الله عندما نَمُدُّ أيدينا إلى الله فيجب علينا أن نتساءلَ هل وفَّيْنا حقا بشروط الاستجابة؟ وهذا ما سنعمد إلى ذكره وتبيينه بعد قليل فكونوا معنا على يقظة رحمكم الله والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى كما أمر ونشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر. روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً وَإِنَّ اللّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ. فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذلِك؟
فليست المشكلة في أن يدعوَ المرءُ لنفسه إن هو تاب من ذنبه وعَمِلَ على تحقيق شروط الاستجابة وإنما المشكلةُ أن يدعوَ لأمته والجميعُ لم يوَفِّ بعد تلك الشروطَ في نفسه ذلك أن خيانة جماعية تحجب الإجابة وإن كانت محدودة! ألم تر إلى ما ترتب لأصحاب محمد من هزيمة يومَ أُحُدٍ لمّا خالفت فئة محدودة منهم أمره صلى الله عليه وسلم؟ فكيف بنا وقد أصبحت الخيانة تهيمن على السواد الأعظم ولا حول ولا قوة إلا بالله.. قيسوا عباد الله خيانات المسلمين في زماننا هذا وقارنوا بينها وبين الاجتهاد الخاطئ الذي وقع في أُحد وانظروا كيف فعل الله بهم ثم تصوروا ما الذي كان ينبغي أن يؤول إليه أمرنا؟ أم إننا نفضل عدمَ التفكيرِ في ذلك؟ إنه فعلا لا مجال للمقارنة ومع ذلك فإن الله تعالى لا يعاملنا بما نستحق وإنما يعاملنا بما هو أهل له من العفو والكرم. فمزيدا إذًا من الدعاء ومن التقوى والرجوع إلى الله تعالى فإنه حتما سيستجيب وسيصفح وإن كثرت الذنوب.
اللهم أنت ربنا ولا ربَّ لنا سواك وقفنا ببابك ومددنا أكف الضراعة إليك رغم أنه ليس لنا عمل صالح نستشفع به عندك.. أَثْقَلَتْنَا الأوزار وقَسَمَتْ ظهورَنا الذنوب واعترفنا بالتفريط والتقصير.. فيا من يسمع كلامنا ويرى مكاننا ويعلمُ سِرَّنا وعلانيتنا ولا يخفى عليه شيء من أمرنا.. نسألك بِذُلِّ عبوديتِنا لك وعظيمِ افتقارِنا إليك وراسخِ ثقتِنا بحِكْمَتِك وجازمِ إيمانِنا برحمتك وحسنِ ظَنِّنَا بك أن تصرف عنا كل مكروه وتَرُدَّ عنا كل عمل مذموم.
اللهـم اجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين ووفِّقِ اللهم ولي أمرنا للسير على صراطك المستقيم وإتباع سنة نبيك الأمين والاعتزاز بدينك دين الحق المبين. اللهم أملأ قلبه بالإيمان واجعله يا رب من أحبائك يبتغي بعمله تعظيمَ حرماتك. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم آمين والحمد لله رب العالمين.