دور المسجد
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى كما ينبغي أن يُحمد ونشكره جل وعلا كما يليق أن يُشكر ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو، وعدَ عُمَّارَ المساجدِ بالهداية فقال سبحانه:
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا رسولُ الله، أولَ ما هاجر إلى المدينة المنورة، انشغل ببناء المسجد وأسَّسَ فيه ومنه الدولة الإسلامية الوليدة.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون إن عمارة المساجد لمن أعظم ما يُتقرب به إلى الله تعالى.. ذلك أن المسجد إذا فسح له المجال ليقوم بدوره تحول إلى مصنع تُنصع فيه الرجال وتُصقل فيه المواهب وتتكون فيه الأبطالُ والنجومُ عبر الأجيالِ..
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ .. رِجَالٌ
إن الإسلام أيها الناس، لما نادى لصلاة الجماعة بالمسجد في اليوم خمس مرات، إنما أراد أن يُعطيَ لهذه المؤسسةِ قدسية خاصة ومكانة عظيمة، فلم يجعل المسجد ديرا لرهبنة ولا زاويةً للتعطل بل جعله مجالا للحيوية ومنبعا للحركة ومصدرا للجدية.. فقد وجد عمر ابن الخطاب جماعة من المسلمين قد جلسوا في المسجد بعد صلاة الجمعة بدعوى التوكل على الله فعلاهم بدرته وقال لهم:
لا يَقْعُدَنَّ أحدُكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تُمطر ذهبا ولا فضة، إن الله تعالى يقول:
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ
فليس المسجد مكانا للراحة والنوم أو ركنـا للأكـل والشرب أو مرتعـا للتسول وإنشاد الضالة وإنما المسجد للذكر والصلاة والتعلم والتقرب إلى الله. يقول أحد علماء هذا العصر بتصرف شديد: لقد كان المسجد في فجر الإسلام جامعة شعبية وبرلمانا محليا ومؤتمرا يوميا تُقام فيه الصلاة ويَتربى فيه الناس. فهو جامعة شعبية تسع الجميع طول السنة وليل نهار، لا ترد طالبا أيا كان سنه ولا تشترط رسوما ولا تأمينـا، ولا تضع القيود والعراقيل لمن يريد التسجيل، مما جعل عبد الله بن عباس وغيرَه من بعده يَعقِد حلقة في المسجد تتسع لعلوم كثيرة ومعارفَ مختلفة يُفرِد لكل منها يوما.. ثم أُنشأتْ أَولُّ الجامعات تحت سقوف الجوامع.. فمن منا لا يعرف المكانة العلمية والتاريخية لجامع القرويين والأزهر الشريف وجامع الزيتونة؟ من منا يجهل ما قدمته هذه المؤسسات من خدمة للعلم والثقافة قرونا طويلة؟! فيا ليتها وأمثالها تعود لإشاعة النور ونشر الضياء ولله الأمر من قبل ومن بعد.. نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبحديث سيد الأولين والآخرين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسـول الله. أما بعد، فقد قلنا إن المسجدَ برلمانٌ محلي دائم يعمره نواب هم المؤمنون والمؤمنات الذين يقيمون الصلاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويطيعون الله ورسوله ويحفظون حدوده.
برلمانٌ محلي دائم يعرض الحاكم فيه سياسته العامة ويحدد منهجه الدقيق ويناقشه الشعب بكل حرية وموضوعية. وإنما يكفيك لتتأكد من ذلك أن تنظر إلى الخطبة السياسية الصرفة التي ألقاها أبو بكر الصديق يوم تولى الخلافة والتي قال فيها:
أيها الناس: إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني، ألا وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..
أي بيان هذا وأي سياسة هذه؟ إنه الحق يتجلى فيغشى!!
وهكذا أيها الأحبة في الله فإن المسجد مؤتمر يومي يَجمع خلاصة الحي في كل صلاة، وصفوةَ البلد في كل جمعة يتعارفون فيما بينهم فيتقاربون ويتحابون فيتعاونون وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:
لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا
اللهم صل على هذا النبي الكريم والرسول العظيم وعلى آله وصحبه أجمعين..
اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا وتب علينا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، أنت ولينا في الدنيا والآخرة توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.
اللهم إننا عبادك بنو عبادك بنو إمائك نواصينا بيدك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء حزننا وذهاب همومنا. اللهم أيدنا به واجعله طريقنا إلى الجنة.
اللهم كن لولي أمرنا وليا ونصيرا ومعينا وظهيرا في كل ما يقوم به لصالح الوطن والدين ومن أجل الإسلام والمسلمين. اللهم اجعل قرة عينه في الصلاة واطمئنان قلبه في ذكرك ومنتهى حكمه في كتابك. اللهم أكمل سعادته بصلاح ولي عهده وتوبة بطانته واستقامة شعبه..
اللهم انصر كل من نصر الدين واخذل كل من خذل الإسلام والمسلمين واقهر اللهم الصهاينة المجرمين ومعهم كل الحاقدين على هذا الدين آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.