شخصية الرسول
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمد المعترف بالنعمة ونشكره جل وعلا شكر المقر بالفضل ونشهد أنه الله، بعث محمدا بالحق فقال:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ
ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا قدوةُ الصالحين وإمام الخلق أجمعين خيرُ من أوذيَ في الله فصبر وأفضل من أنعم الله عليه فشكر، القائل:
إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَلَكِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَمُقَامُ أَحَدِكُمْ فِي الصَّفِّ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهِ سِتِّينَ سَنَةً
أما بعدُ فيا أيها الأحبة الكرام نعود بحضرتكم للتعريف بأعظم شخصية في الوجود شخصية محمد.. مواكبة منا للحدث العظيم الذي تغير له وجه التاريخ واحتفلنا نحن بذكراه يوم أمس. لقد نشأ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يتيما فتعلم منذ أول يوم أن يبذل من الجهد أقصاه وأن لا يعول إلا على نفسه ليحصل على العيش الكريم واللقمة الحلال فكان ذلك دليلاً واضحا على العناية التي أحيط بها حيث قال له رب العزة فيما بعد:
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ
ومن وجوه هذه العناية الربانية أن كان عائلا فأغناه الله عن التسول أولا برعاية الغنم ثم بالتجارة فكان من ثمرة تلك التجارة أن تزوج سيدة فاضلة أصبحت في ما بعدُ سيدةَ نساء العالمين وهي أولُ من شَدَّ أزره حين أتاه الوحي وأصابه من الروع ما أصابه، حيث قالت له:
كَلاّ واللهِ ما يُخْزيكَ اللهُ أبداً، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وتحملُ الكَلَّ وتَكْسِبُ المَعْدومَ وتَقْري الضَّيْفَ وتُعينُ على نوائبِ الحَقّ..
وقفت خديجة رضي الله عنها بجانبه فكان ذلك عنوانا من عناوين عناية الله به.. وما كان ذلك ليقع إلا لأخلاقه التي ميزه الله بها.. فصلة الرحم وإكرام الضيف وإغاثة الملهوف كانت هي صفاته وقت شبابه.. ثم عرف صلى الله عليه وسلم قبل بعثته دائما بالصادق الأمين فكان ذلك سببا في اجتماع كلمة قومه عليه وهو ابن الخامسة والثلاثين حيث نال شرف إرجاع الحجر إلى ركنه بعد أن كادت الحرب تعصف بهم.. فحياته حياةٌ تدل على أن عناية السماء أعدته لحمل عبء عظيم ورسالة كبرى أخرجت الناس من ظلمات الشرك والجهل إلى نور العلم والإيمان.
أما بعدَ مجيء الوحي إليه فمظاهر عناية الله به لا تعد ولا تحصى جعلت منه صلى الله عليه وسلم شخصية فريدة في التاريخ البشري.. قال تعالى:
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتِمَ النَّبِيِّينَ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ويرحم الله عبدا قال آمين.
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه المصطفى.
ومن مظاهر عناية الله به صلى الله عليه وسلم أن حُفظت سيرته مما لم يتأت لغيره من البشر على وجه الإطلاق. أو قد رأيتم إنسانا أكثر ذكرا من محمد؟ أرأيتم رجلا تُروى حياته مثلَ ما تروى حياة محمد؟ أرأيتم بشرا يُمدح ويُمجد حتى من طرف أعدائه مثل ما يقع لمحمد؟ أرأيتم أحدا يُنقل كلامه بالصفة التي نُقل بها كلام محمد؟ وأخيرا ولعلكم لا تنتظرونها مني أرأيتم شخصا أثار من الجدال ما أثاره محمد؟ وما ذلك إلا للعناية التي يوليها أعداؤه لفعله ولحياته حرصا منهم على استخراج ما ينقَضُّون به عليه وما كان لهم أن يصلوا إلى مبتغاهم أبدا لأن عناية الله به أعلى وأقوى. فالقرآن الكريم كما أسلفنا تحدَّث عن طفولته في سورة الضحى وتحدَّث عن حياته قبل بعثته وأفاض في ذكر تفاصيلها بعد البعثة حتى أنك لا تجد شخصية في التاريخ اكتملت حلقات حياتها كما اكتملت لسيدنا محمد r. فهي حياة ليس فيها غموض ولا توجد جزئية منها إلا وأُظهرت لتكون قدوة وموضع تشريع ومجال إتباع.. ففي أخص علاقاته بنسائه تقول عائشة رضي الله عنها:
كان يُقبِّلُني وهو صائم، وتقول: كان يأمرني فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض
كثير من العظماء الآن يقعون في فضائح فتستر ويقال لا علاقة لنا بحياتهم الخاصة فهم كل حال أحرار فيها ويقبل منهم أن تكون لهم شهوات ونزوات وانحرافات بخلاف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي جعل الله تعالى حياته أسوة للناس يقتدى بها ومثالا للكمال البشري:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً
سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسـمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا إله غيرك نسألك اللهم بكل اسم هو لك أن تفرج عنا كرباتنا وتجعل من أمرنا يسرا. اللهم هون علينا الصعاب ويسر لنا العقبات ووطئ لنا الطريق ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم إننا عبادك وقفنا بباك نرجو رحمتك فلا تردنا خائبين.
اللهم كما عودتنا على الخير كله علمنا حق شكرك وأعنا على ذكرك وحسنِ عبادتك.
اللهم انصر ولي أمرنا وزد يا رب في مدده لنصرة الدين وتحكيم القرآن الكريم وإتباع النبي الأمين يا رب العالمين قرير العين بولي عهده وسائر أفراد أسرته وشعبه.
اللهم أعن المجاهدين في كل مكان و انصرهم نصرا عزيزا مؤزرا.
اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الإسلام والمسلمين وارحمنا برحمتك الواسعة يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين.