الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمدا ينبغي لجلال وجهه ونشكره جل وعلا شكرا يليق بعظيم سلطانه ونشهد أنه الله الذي أكرمنا بدين الإسلام ومنَّ علينا بنعمة الإيمان ثم حثَّنا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال في محكم القرآن:
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله حذر من الواقع المؤسف الذي يطال تاركي هذا الواجب العظيم فقال:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابَ لَكُم
أما بعد فيا أيها المؤمنون.. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلوكٌ عظيم يشترك مع الإيمـان بالله في بناء الأمة ووصفها بالخيرية:
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ
وهذه الخصلة حيــن تجتمع بطاعة الله والرسول وأداءِ الفرائض تُدْخِلُ صاحبها في حيز رحمة الله تعالى..
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
والمعروف أيها الإخوة هو كلُّ ما أَمَرَ به دينُنا الحنيفُ من عبادات وفرائضَ وأعمالٍ صالحة، وجاءت به وحثت عليه شريعتُنا السمحة من طاعات ونوافلَ وأقوال سديدة.
أما المنكر فهو كل قول بغيض أو سلوكٍ قبيح أو فعل شنيع يُنكره شرع الله وتأباه الفطرة سواء كان ذلك بقصد أو بغير قصد ولو كانت النية فيه صالحة فقد قال صلى الله عليه وسلم:
مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا
هنا يتبين لنا أن نجاة أيِّ مجتمع تقوم على قاعدتين. أما الأولى فهي الشورى والتعدُّديةُ والتوافقُ كما يظهر في هذا الجزء من الحديث مما يكفل لكل فرد أن يحيى وفق تصوره الخاص ما دام لا يعتدي على حرية الآخر. وأما الثانية فتظهر حين يقول صلى الله عليه وسلم:
فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعاً
بمعنى أن التراضي لا بد من أن يضمن للجميع نجاته وإلا أصبح من الواجـب تداركُ الأمر قبـل فوات الأوان ولو تطلب ذلك اللجوءَ إلى القوة.. جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.. آمين.. والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وبعد، فقد شُرع الأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر لإصلاح المجتمـع وجمعِه على كلمة الحق. أما إذا كان سيؤدي إلى منكر أفظع من المراد إزالتُه فالأولى أن يعدل الإنسان عما عزم عليه سواء كان فعلا أو قولا.. فقد قال :
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ
لذا فإن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آدابٌ وشروطٌ نجملها في ما يلي بغية احترامها وحتى لا تؤدي ممارسة الواجب إلى ما لا تحمد عقباه. وأول هذه الآداب أن يدرك الآمر أو الناهي حقيقة ما يأمر به أو ينهى عنه وإلا فعليه أن يسأل أهل الذكر قبل أن يباشر أمرا لا يتقنه، مصداقا لقوله تعالى:
فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
ثم إن عليه أن يكون أول من يأتمر إذا أمر وأول من ينتهي إذا نهى خوفا من الوقوع في مغبة من يقال له وهو في النار يدور بأقتاب بطنه:
أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ
ثالثا أن يُتبع إصلاح نفسه بالعمل على إصلاح من حوله قبل أن ينتقل إلى عامة الناس إقتداء برسول الله حيث قال له ربه:
وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ
وأخيرا أن يتحلى الآمر بالمعروف أو الناهي عن المنكر بالأسلوب الذي علمنا إياه رب العزة..
ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فاتقوا الله عباد الله، واسمعوا وأطيعوا خير لكم وصلوا على نبيكم تكونوا من الفائزين..
اللهم إننا عبادك بنو عبادك بنو إماءك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وذهاب همومنا وجِلاء أحزاننـا واجعل اللهم الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر. اللهم ارحمنا برحمتك واكلأنا بعنايتك وأهدنا بهدايتك.
اللهم وفق ولي أمرنا لإرساء الأمنِ والمعروف في وطنه وطرد الظلم والمنكر من بلده، قرير العين بصلاته راضيا مطمئنا على ولي عهده وأسرته وسائر أفراد شعبه.
اللهم انصر المجاهدين لإعلاء كلمتك.. آمين.. والحمد لله رب العالمين.