فرضية الزكاة
الحمد لله رب العالمين، له الحمد وله الملك وهو على كل شيء قدير نشهد أنه الله لا إله إلا هو، جعل الزكاة ركنا من أركان الدينِ فقال:
فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
ونشهد أن سيدنا محمدا رسولُ الله، بيَّن مكانة الزكاة بقوله:
أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَا مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ
ولعل الكلامَ سيتردد في هذه الأيام عن الزكاة. وإنه ليليق بنا ونحن نعيش أجواء العام الهجري الجديد الذي يرتبط عادة بإخراج الزكاة أن نطرق هـذا الباب سائلين الله تعالى التوفيق وحسن التوضيح..
لقد سعى الإسلام إلى التخفيف من طغيان رأس المال بأن فرض على مالكي الثروات التخليَ عن حصةٍ منها لصالح المحتاج سواء كان ما يملكه الشخص أموالا عينية أو تجارة مربحة أو زراعة مثمرة أو ما إلى ذلك، فقال تعالى:
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
وقد أجمع أهل العلم على أن الصدقاتِ المذكورةَ هنا هي الزكاةُ المفروضة وهي محصورة في طوائف عيَّنها القرآن ولم يترك لأحد تحديدها. فهي بذلك فريضةٌ لا تطوعٌ أو تفضلٌ أو إحسانٌ من الذي يُخرجها. فالإسلام بفرضه للزكاة أراد تأسيسَ نظام اجتماعي قوي يقوم على العمل والكد لا على التسول. قال تعالى في هذا الشأن:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ .. إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
فلم يبرر أخذ الزكاة بجعل المعطاة إليه غنيا أو إرضائه وإنما بررها بتطهير وتزكية الذي يُخرجها.. إيذانا منه تعالى بأن إخراج الزكاة أمر تحدوه إرادة المرء في كسب الأجر والثواب. ومن ثم تبين أن الزكاة تعطى لمن يستحقها دون غيره من الناس ومستحقوها هنا هم الأصنافُ الثمانيةُ الذين ذكرهم الله في الآية لا غير.. قَالَ :
لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ
وفي حديث آخر،
أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلَانِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ
فَقَلَّبَ فِيهِمَا الْبَصَرَ فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ
وإذا نظرنا في كتب الفقه المعتمدة وجدنا أن الزكاة تُجمع من مطلق المال بكافة أنواعه وذلك بمجرد أن تتوفر فيه شروط سنتعرف عليها بعد قليل فابقوا معنا رحمكم الله منتبهين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد، فإن الزكاة تجب في المال الذي تتوفر فيه خمسةُ شروط. أما الأول فأن يكون المال مِلكا تاما لصاحبه غيرَ متعلقٍ بحق غيرِه لأن الله أضاف الأموال إلى أربابها فقال « خُذ من أموالهم » فتبين أن المال الحرام لا زكاة فيه لأنه ليس مِلكا للذي هو عنده..
أما الثاني فأن يكون من شأنه أن يُدِرَّ الربح والفائدة على من يملكه فقد قال صلى الله عليه وسلم:
لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلَامِهِ صَدَقَةٌ
ويَدخلُ في هذا المعنى السيارة والمنزلُ وأثاثُ المنزل وآلاتُ الحرفيين وغيرُها فلا زكاة فيها.
الشرط الثالث أن يكون المال بالغا للنصاب وذلك توافقا مع قوله :
لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنَى
والنصاب عباد الله يتغير بنوعية المال، وتفصيلُ الأمرِ لا يتسع له المقام فليراجعْه من شاء في محله.
أما الشرط الرابع فأن يكون النصاب سالما من الدَّيْن فإذا استغرقه الدين أو قلله لم تجب الزكاة.
ثم خامسا أن يكون قد دار عليه الحول وذلك فيما يخص رأس المال.. أما زكاة الدخل والمال المستفاد فزكاته في حينه إذا بلغ النصاب ويشمل ذلك الدخلَ المنتظِمَ كالراتب والأجرة وكذا المكافآت الآنية والأرباح العارضة والهبات ونحوها مصداقا لقوله تعالى:
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
هذه إخوتي هي الشروط التي يوجب توفرُها تزكيةَ المالِ وإلا فـ:
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
ولم يقف الأمر عند حد الوعيد بالعذاب الأخروي بل هناك عقاب دنيوي جماعي محدق بمن يمنع الزكاة وهو منع المطرِ من النزول. قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه ابن ماجة:
وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا
اللهم صل على هذا النبي الكريم صلاة تقينا بها من كل سوء وتوفر لنا بها كل خير وتصلح لنا بها كل حال وتخرجنا بها من كل ضلال. اللهم إنا نسألك العفاف والتقى والفوز بالجنة. اللهم يسر أمورنا وأمور المسلمين أجمعين. اللهم انصر ولي أمرنا، ووفقه يا رب لتحكيم كتابك وتطبيق شريعتك والاعتصام بحبلك. اللهم اجعل قرة عينه في الصلاة وأسعده بذويه وشعبه وانصر اللهم من نصر الإسلام والمسلمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.