حكم الحج
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ونشكره ونستعين إياه ونستغفره ونشهد أنه الله أمرنا بالحج فجعله من فرائضه فقال في محكم تنزيله:
وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا رسول الله حثَّنا على الحج فقال:
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا. فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ
عباد الله إن الحج هو آخرُ ما فُرض من الشعائر والعبادات. وهو عبارة عن رحلة فريدة في عالم الأسفار ينتقل فيها المسلم ببدنه وقلبه وروحه إلى البلد الأمين فيذهب فيها للوقوف بعرفات وللطواف ببيت الله رمز التوحيد ورمز وحدة المسلمين الذي نستقبله كل يوم في صلواتنا..
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ
إن هذا البيت العتيق هو أول بيت أقيم في الأرض لعبادة الله.. أقامه أبـونا آدم ورفع قواعده سيدنا إبراهيم.. فيا له من شرف عظيم لشخص أن يُقبل عليه ربه فيسمح له بالذهاب إلى أشرف بقعة في الأرض في هذا الزمان بالذات بعد كل تلك القرون والألفيات. أيها الناس، إن الناظر في الحج ليتساءل عن السر الكامن من وراء هذه الفريضة. والواقع أن المسلم الذي يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويقف بعرفات ويؤدي كل المناسك في هيأة الإحرام تلك ملبيا مقبلا ممتثلا أمر ربه إنما يفوز فوزا عظيما.. لا أقول في الآخرة فحسب بل في الدنيا أيضا. أما فوزه في الآخرة فمعلوم وواضح. قال صلى الله عليه وسلم:
الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ
أما فوزه في الدنيا فهذا ما يغفل عنه كثير من الناس فلا يكادون يلتفتون إلى المعاني التي تحملها المناسك..
ليس الإحرام تجردا من الثياب ووسائل الترفيه بل هو تجردٌ من شهوات النفس وحبسُها عن كل ما سوى الله. أما الطواف فهو دوران القلب حول قدسية الله ويكفيك منه شرفا أن تدخل أثناءه بكل كيانك في ناموس الله الذي بموجبه تدور الجُزَيْئات حول الذرات والكواكبُ في المجرات. وهكذا لكل منسك حكمة ولكل عبادة جزاء..
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ
فكيف بعد هذا لا يكون الحج شحنة روحية يتزود منها المسلمون فتملأ جوانبَهـم خشية وتقوى وعزما على طاعة الله وندما على معصيته.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبحديث سيد الأولين والآخرين ويرحم الله عبدا قال آمين.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وبعد فيقول ربنا تبارك وتعالى:
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ
إننا أيها المؤمنون أيتها المؤمنات ونحن نتتبـع آثار الحج ومنافِعَهُ ومعـانيه لنجد أنفسنا عاجزين عن تقصيها والإحاطة بها وحسبنـا في هذا المقام أن نُذَكِّرَ بجزء من أهم ما تبقى منها.. إن الحج عباد الله ثقافة وتدريب على ركب المشقات تتجلى فيه أسمى معاني المساواة والتضحية وأوضحُ معاني الوحدة والسلام. ففريضة الحج بالنسبة للمسلم الذي يريد الحج نية وفعلا هي رحلة سلام إلى أرض السلام في زمن السلام. إنها الرحلة التي تتميز بالإحرام.. يمتنع فيها المسلم عن كل ما فيه إيذاءٌ لغيره، سواء كان إنسانا أو حيوانا أو نباتا. فالجدال فيه حرام، والصيد فيه لا يجوز وقطع الأشجار والحشائش ممنوع.. فالحج سلم لكل ما حولك ومِن حولك. بل حتى استعمال الآلات لحلق الشعر أو تقليم الأظافر ممنوع لأنها آلات حادة قاطعة.. إن الناس في عصرنا هذا ينادون بالسلام بَيْدَ أن الإسلام يعلِّمنا هذا السلام من أول وهلة ويربينا عليه في الحج وفي غيره حتى أدى الأمر بعمرَ أن يقول في شأن البيت الحرام:لو رأيت فيه قاتل أبي ما مسَّته يدي. هذه أيها الإخوة هي فريضة الحج التي أرسى بها ربنا تبارك وتعالى ثقافة السلام في نفوس المؤمنين.
اللهم صل على سيدنا محمد
اللهم اجعلنا على طريقته وأحينا على سنته وأمتنا على ملته وأدخلنا بفضلك وجودك وكرمك في جماعته واحشرنا يا ربنا يوم القيامة في زمرته. اللهم أردنا على حوضه واسقنا بيده شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا.. اللهم يا كريم يا ذا الفضل والإحسان إنا نسألك أن تكتب لنا أداء الحج قبل الممات. اللهم يسره لنا في هذه السنوات واجعله يا رب حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً وتجارة لن تبور.
اللهم إنا نسألك لولي أمرنا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى. اللهم اجعله من الذين يحبونك ويحبون نبيك ويحبون كل عمل يقربهم إلى حبك. اللهم اجعل قرة عينه في الصلاة وسعادة قلبه في صلاح ولي عهده ومنتهى فرحه في وفاء شعبه.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين وأعل كلمةَ الحق المبين واقهر أعداء الدين من صهاينة وصليبيين واهد بفضلك المسلمين الذين ابتعدوا عن الدين آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.