Des secrets du pèlerinage

التحذير من مطاوعة الكفار

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمدا لا حد له ونشكره جل وعلا شكرا لا عد له ونشهد أنه الله لا ند له جعل بيته مثابة وأمنا فقال:

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخَذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى

ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله قال يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ:

هَذِهِ مَكَّةُ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَهِيَ سَاعَتِي هَذِهِ.. حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ

أما بعد فإن الله تبارك وتعالى اختار لنا صفوةَ خَلقه رسولا وخِيرَةَ كُتبه دستورا وأحسنَ شرائعه دينا. وهذا كما ترون اختيارٌ في اختيارٍ في اختيار.. إذ يخلق ربك ما يشاء ويختار وكما اختار لنا جلت قدرته النبي والكتاب والدين فقد اختار لنا أشرف الأماكن قبلة ووجهة..

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ

وقد رفعه إبراهيم وابنه إسماعيل في إنابة وخشوع وتضرع ودعاء:

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

وبعد قرون بل آلافِ السنين ترى الملايين من البشر يحنون إلى هذا البيت الكريم كما تحن الحامئم إلى أوكارها.. يفدون إليه من أعماق القارات والمحيطات شَرَفُهم في ذلك عبادة الله وولاؤهم لوحدانيته. كان إبراهيم عليه السلام شعاراً للتوحيد ومناراً للعبادة فجاء خاتم النبيين بعده فأرسى قواعد ذلك التوحيد وبين كيفية تلك العبادة فانتشرت المساجد في بقاع الأرض كلها حتى كادت دوائر صفوف المصلين حول الكعبة تشمل الدنيا بأسرها وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:

لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ

وكأني أيها الناس بهذه الأمة حين ودَّع إبراهيم عليه السلام فلذة كبده وأمَّه وهو يتوجه بقلبه ودمعه إلى ربه:

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ

وكأني كذلك بهاجر وهي تطلب الماء في تلك الأرض القاحلة وقد نهلها العطش حتى بلغ منها الجهد فإذا هي بماء زمزم يتدفق فترتوي ويرتوي رضيعها.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبحديث سيد الأولين والآخرين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين ويرحم الله عبدا قال آمين.

حمدا لله الذي يعفو عن السيئات وصلاة وسلام على الرحمة المهداة.
وتتسارع الأعوام فإذا بإبراهيم عليه السلام مع ابنه إسماعيل يعهد إليه:

وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ

ثم تتقاذف القرون فإذا بعبد المطلب يَنْذُرُ دم ابنه فيُفدى بمئة من النوق ليأذن الله بخروج محمدٍ رسولِ الله. ويمر الزمان فإذا بهذا الفتى المبارك يشارك في بناء الكعبة فتنطفئ على يده نار الفتنة ثم يبعثه الله من جوار البيت مبشراً ونذيراً لتتحقق إرادته وينتشر دينه..

إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ .. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا .. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا

في مثل هذه الأيام تنطلق قوافل الملبين قاصدين بيت الله مؤكدين الولاء له لا شعار لهم إلا ما قاله نبيهم صلى الله عليه وسلم أثناء الحج:

أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ.. أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى. أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ

كلام موجز حدد حقيقة العلاقات البشرية فبين طبيعة هذا التجمع ووظيفة هذا الدين.. ولئن كان قد أصيب المسلمون في هذا الزمان بأنواع الضعف والفرقة التي تجلت في سيطرة الأجنبي واستحكام العدو فما ذاك إلا لغلبة نزعة الأنانية الضيقة والعصبية المقيتة والبعد عن منهج الحق والزيغ عن القيام بأمر الله.. ليست الدول الأخرى هي التي تقدمت وإنما أمتنا هي التي تأخرت. فالإسلام هو دين الحقوق إذ لا يعرف الفوارق بين الناس ولا يرضاها لهم والحج في عظمته وحقيقته أكبر برهان على نبذ هذه الفوارق والبراءة منها ومن دعاتها.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بنا فتنة فاقبضنا إليك غير فاتنين ولا مفتونين. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم إنا نسألك لولي أمرنا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى. اللهم اجعل عمله في رضاك وجهده في إتباع مصطفاك. ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا.. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.. ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد. آمين.. آمين والحمد لله رب العالمين.