الأشهر الحرم
الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ونشكره ونشهد أنه الله الذي لا إله غيره خلق الأكوان وأنشأ الزمان فقال في محكم القرآن:
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ .. مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ .. ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ
ونشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله فصَّل لنا ما أجمله القرآن فقال عليه الصلاة والسلام:
إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِه يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرا مِنها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثٌ مُتَوالِيَاتٌ.. ذو القِعْدَةِ وذو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ.. ورَجَبُ مُضَرَ الذي بَيْنَ جُمَادى وَشَعْبَانَ
أما بعد فيا أيها الإخوة الكرام لقد أهَّل علينا هلال شهرِ ذي القعدة الحرام الذي ذكر الله حرمته في كتابه العزيز حين قال:
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
ومعلوم أن المراد بالشهر الحرام هنا ذو القعدة ففيه نزلت هذه الآية وذلك حين حبست قريش المسلمين عن العمرةِ عامَ الحديبية وكان ذلك في شهر ذي القعدة فتم الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين واعتمر عليه الصلاة والسلام بموجب ذلك الصلح في السنة الموالية، عمرة القضاء، في شهر ذي القعدة بالذات. وإنما سمي بذي القعدة لأن العرب في الجاهلية كانت تقعد عن القتال فيه للتمكن من الاستعداد للحج في الشهر الموالي أي ذي الحجةِ الحرام.. فكانوا يُحَرِّمُون قبل ذي الحجة شهراً ليتمكنوا من السير في أمان إلى مكة ثم يُحَرِّمُون ذا الحجةِ نفسَه ليتمكنوا من أداء مناسكهم، ثم بعد ذلك يُحَرِّمُونَ المحرم ليتمكنوا من العودة إلى ديارهم آمنين. أما رجب فقد حَرَّمُوه لأجل زيارة البيت وأداء العمرة. ثم إن الله تعالى نهى المؤمنين عن ظلم أنفسهم في هذه الأشهر وهذا النهيُ ينبغي أن يُفهم منه أنه نهيُ تغليظ وليس نهيَ استئثار وخصوصية لأن الظلم منهيٌ عنه دائما. وإنما أُكِّدَ في الأشهر الحرم لأنه تعالى إذا عظَّم شيئاً ضاعف العقاب لمن يعمل السوء فيه تماما كما يضاعف الثواب لمن يعمل العمل الصالح فيه. أما الظلم المطلق وإن كان أعظمَ جرما في هذه الأشهر فهو منهيٌ عنه طوال العام سواءً تعلق الأمر بزمان أو مكان حرام أم لم يتعلق ففي الحديث:
يا أَيُّها الناس، إِيَّاكُمْ وَالظُّلْم، فَإنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَة
والظلم أيها الإخوة الكرام أنواع كثيرة وأشكال متعددة.. نعوذ بالله منها ومن كل عمل سيءٍ أو فعل شنيع ونسأله تعالى أن يرزقنا وإياكم التوبة والاستغفار آناء الليلِ وأطراف النهار آمين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين. أما بعد فلقد بقي لنا أن نتكلم عن حكم القتال في الشهر الحرام والذي لم يعد يلتفت إليه أحد في هذا الزمان.. لقد اتفق العلماء على جواز دفع العدوان وقتال العدو إذا كان هو البادئ. أما الابتداء بالقتال فالراجح أنه يفضل تركُه والتنزُهُ عنه فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
لَمْ يَكُنْ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو في الشَّهْرِ الحَرَامِ إِلا أنْ يُغْزَى أَوْ يُغْزَوْا فَإذَا حَضَرَ ذلِكَ أَقَامَ حتَّى يَنْسَلِخ
أما عن صيام الأشهر الحرم فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيءٌ في استحبابه وتخصيصها به إلا أن العمل الصالح فيها كما ذكرنا يضاعَفُ أجرُه ويزيدُ فضلُه. ولقد حثَّنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على اغتنام المناسبات وخاصةً مواسم الخيرات بالمسارعة إلى فعل الحسنات وترك المنكرات والسيئات فقال عليه الصلاة والسلام:
بَادِرُوا بالأَعْمَالِ سَبْعاً، هَلْ تُنْظَرُونَ إِلاَّ إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنىً مُطغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ أَوْ هَرَمٍ مُفْنِدٍ أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ أَوِ الدَّجَّالِ فَشَرٌّ غَائِبٌ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةِ فالسَّاعةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ
اللهم صل على هذا النبي الكريم والرسول العظيم وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين
ربنا إياك سألنا ولإحسانك تعرضنا وبباك وقفنا فلا تردنا خائبين ولا عن رحمتك مطرودين. اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى. رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رءوف رَّحِيمٌ. رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ. ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.. آمين.. آمين
اللهم انصر ولي أمرنا نصرا تعز به الدين وتذل به الكفرة والشرك والمشركين. اللهم أصلح به شأن هذه الأمة ووحد به صفوفها واجمع به كلمتها. اللهم انصر كل من نصر الدين واخذل من خذل الإسلام والمسلمين لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.